درجته - أجمع كتاب صنف في بابه، وأضبط لشوارد الأحاديث وأوابدها، ولما سلك - رضي الله عنه - طريق الاختصار وحذف الأسانيد تكلم فيه بعض النقاد وإن كان نقله - وإنه من الثقات -
ــ
على اللفظ فيقال: يدي ودمي، ولئلا يلتبس بالبغي بمعنى الزاني (أجمع كتاب) خبر كان (صنف في بابه) أي في باب الحديث فإنه جمع فيه الأحاديث المهمة على ترتيب الأبواب الفقهية، والمراد أنه من أجمع الكتب في باب الحديث، أو قاله مبالغة في مدحه، ويجوز مثل هذه المبالغة في مدح كتاب ترغيباً للطالبين وتشويقاً لهم إليه (وأضبط) عطف على أجمع؛ لأنه لما جرد عن الأسانيد وعن اختلاف الألفاظ وتكرارها في المسانيد صار أقرب إلى الحفظ والضبط، وأبعد من الغلط والخبط (لشوارد الأحاديث) جمع شاردة وهي النافرة والذاهبة عن الدرك، من إضافة الصفة إلى الموصوف، والأحاديث قيل جمع أحدوثة في الأصل كأساطيرة جمع أسطورة ثم جعل جمع حديث (وأوابدها) عطف تفسير، أي وحشياتها، جمع آبدة وهي الوحش والشيء الغريب، وأوابد الكلام غرائبه، شبهت الأحاديث بالوحوش لسرعة تنفرها وتبعدها عن الضبط والحفظ، ولذا قيل:"العلم صيد والكتابة قيد" قاله القاري، وقال السيد جمال الدين: المراد بالشوارد الأحاديث المخرجة في الأصول قد خفيت على الطالبين مواضع إيرادها، فكأنها نفرت منهم، وبالأوابد الأحاديث التي دلالتها على معانيها كانت خفية، فكأنها توحشت من الطلاب بالنظر إلى معانيها المقصودة، فبإيراد محي السنة إياها في الأبواب المناسبة ولمواضع اللائقة من كتاب المصابيح ظهرت معانيها واتضحت، فارتفع الشرود وانتفى التوحش منها، وصارت مأنوسة، ذكره في اللمعات (طريق الاختصار) أي بالاكتفاء على متون الأحاديث (وحذف الأسانيد) عطف تفسير على ذلك، والمراد بحذف الإسناد إما حذف الصحابي وترك المخرج في كل حديث، وهو مجاز من باب إطلاق الكل على البعض أي طرفي الإسناد، وهو مراد المصنف ظاهراً من قوله "لكن ليس ما فيه أعلام كالأغفال" فالشيء الذي ذكره المصنف في المشكاة زيادة على المصابيح هو ذكر الصحابي وبيان المخرج، وهو الذي أهمله صاحب المصابيح، وأما معناه الحقيقي على مصطلح أهل الحديث، وهو حكاية طريق المتن بحيث يعلم جميع رواته، لكن المصنف اكتفى بذكر المخرج كما يقول: وإني إذا نسبت الحديث إليهم ... الخ، وعلى هذا يكون ذكر المخرج أي الصحابي للتبرك والتأكيد فقط (تكلم) جواب لما، أي طعن في بعض أحاديث كتابه حتى أن بعض الطاعنين أفردوا أحاديث من المصابيح ونسبوها إلى الوضع، ثم إنه لما نسبت إلى الأئمة المخرجين لها علم أن بعضها صحيح وبعضها حسن، كحديث أبي هريرة ((المرء على دين خليله)) فإنه أحد الأحاديث التي انتقدها الحافظ سراج الدين القزويني على المصابيح، وقال: إنه موضوع، وكذا أورده ابن الجوزي في الموضوعات، وقد حسنه الترمذي، وصححه الحاكم، وقال النووي: إسناده صحيح (بعض النقاد) بضم النون وتشديد القاف، وقال السيد جمال الدين: أي تكلم في حقه واعترض عليه بعض المبصرين بأن صحة الحديث وسقمه متوقفة على معرفة الإسناد، فإذا لم يذكر لم يعرف الصحيح من الضعيف فيكون نقصاً (وإن كان نقله) أي نقل البغوي بلا إسناد، والواو وصلية (وإنه من الثقات) أي المعتمدين في نقل الأحاديث وبيان صحتها وحسنها وضعفها، روي بكسر الهمزة في "إنه" على أنه حال