كالإسناد، لكن ليس ما فيه أعلام كالأغفال، فاستخرت الله واستوفقت منه، فأعلمت ما أغفله فأودعت كل حديث منه في مقره كما رواه الأئمة المتقنون والثقات الراسخون، مثل أبي عبد الله محمد بن إسماعيل
ــ
من المضاف إليه في نقله، وروي بفتحها للعطف على اسم كان، يعني نقله بتأويل المصدر أي وإن كان نقله وكونه من الثقات كالإسناد (كالإسناد) أي كذكره (لكن ليس ما فيه أعلام) أعلام الشيء بفتح الهمزة آثاره التي يستدل بها، وهو جمع علم بفتحتين (كالأغفال) بالفتح وهي الأراضي المجهولة التي لا عمارة فيها ولا أثر تعرف به، جمع غفل بضم الغين المعجمة وسكون الفاء، وفي بعض النسخ بكسرة الهمزة فيهما، فهما مصدران لفظاً وضدان معنى، وأراد بالأول كتابه المشكاة، وبالثاني المصابيح، وكان حقه أن يقول: لكن ليس ما فيه أغفال كالأعلام، ولعله قلب الكلام تواضعاً مع البغوي وهضماً لنفسه، والحاصل أنه ادعى أن في صنيع البغوي قصوراً في الجملة، وهو عدم ذكر الصحابة أولاً وعدم ذكر المخرج في كل حديث آخراً، فإن ذكرهما مشتمل على فوائد، قال القاري: أما ذكر الصحابي ففائدته أن الحديث تتعدد رواته وطرقه، وبعضها صحيح وبعضها ضعيف، فيذكر الصحابي ليعلم ضعف المروي من صحيحه، ومنها رجحان الخبر بحال الراوي من زيادة فقهه وورعه، ومعرفة ناسخه من منسوخه بتقدم إسلام الراوي وتأخره، وأما ذكر المخرج ففائدته تعيين لفظ الحديث، وتبيين رجال إسناده في الجملة، ومعرفة كثرة المخرجين وقلتهم في ذلك الحديث لإفادة الترجيح وزيادة التصحيح، ومنها الرجوع إلى الأصول عند الاختلاف في الفصول وغيرها من المنافع. (فاستخرت الله) لقوله تعالى: {وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة} ، ولما روى الطبراني في الصغير والأوسط من حديث أنس مرفوعاً:((ما خاب من استخار، ولا ندم من استشار، ولا عال من اقتصد)) ، (واستوفقت منه) بتقديم الفاء على القاف، أي طلبت من الله التوفيق (فأعلمت ما أغفله) أي فبينت ما أهمله البغوي عمداً فإنه ترك ذكر الصحابة في كثير من الأحاديث، فالتزمت ذكر الصحابي في كل حديث، وأيضاً لم يتعرض هو لذكر المخرج بحيث يعلم مخرج كل حديث بخصوصه وإن علم مجملاً من اصطلاحه في الصحاح والحسان أنه ذكر في القسم الأول أي الصحاح أحاديث الصحيحين أو أحدهما، وفي القسم الثاني أي الحسان أحاديث غيرهما، فذكرت المخرج في كل حديث بخصوصه، قال القاري: أي فبينت ما تركه بلا إسناد عمداً من ذكر الصحابي أولاً وبيان المخرج آخراً بخصوص كل حديث التزاماً (فأودعت كل حديث منه) أي من المصابيح (في مقره) أي وضعت كل حديث من الكتاب في محله الموضوع في أصله من كل كتاب وباب من غير تقديم وتأخير وزيادة ونقصان وتغيير (كما رواه الأئمة) أي أئمة الحديث الذين يقتدى بهم (المتقنون) أي الضابطون الحافظون الحاذقون لمروياتهم من أتقن الأمر إذا أحكمه، ومنه قوله تعالى:{صنع الله الذي أتقن كل شيء}(الثقات) بكسر المثلثة جمع ثقة، وهم العدول والأثبات (الراسخون) أي الثابتون بمحافظة هذا العلم، المتمكنون فيه، من رسخ أي ثبت في موضعه، يقال رسخ الخبر في الصحيفة، والعلم في القلب، وفلان راسخ في العلم أي متمكن فيه (مثل أبي عبد الله محمد بن إسماعيل) هو أمير المؤمنين في حديث سيد المرسلين، إمام الأئمة المجتهدين، سلطان المحدثين، أبوعبد الله محمد بن