للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إسكاتك بين التكبير وبين القراءة ما تقول؟ قال: أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياى كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من الخطاياى كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم أغسل خطاياى بالماء والثلج والبرد)) متفق عليه.

ــ

قيل: هو اسم فيكون ما بعده مرفوعاً تقديره "أنت مفدى" بأبي وأمي وقيل: هو فعل أي فديتك بهما، وما بعده منصوب وحذف هذا المقدر تخفيفاً لكثرة الاستعمال وعلم المخاطب. (إسكاتك) بكسر أوله (ما تقول؟) أي في سكوتك عن الجهر. قال المظهر: قوله: "إسكاتك" بالنصب مفعول فعل مقدر أي أسألك إسكاتك ما تقول فيه؟ أو في إسكاتك ما تقول؟ بنزع الخافض، وقال الحافظ: والذي في روايتنا بالرفع للأكثر، وأعربه مبتدأ لكنه لم يذكر خبره، وروي بفتح الهمزة وضم السين على الاستفهام، وقوله "ما تقول" يشعر أنه فهم هناك قولاً فإن السؤال وقع بقوله "ما تقول" ولم يقع بقوله "هل تقول" والسؤال "بهل" مقدم على السؤال "بما". ولعله استدل على أصل القول بحركة الفم كما ورد في استدلالهم على القراءة في السر باضطراب لحيته، قاله ابن دقيق العيد (اللهم باعد بيني وبين خطاياى) أي بين أفعال لو فعلتها تصير خطايا، فالمطلوب الحفظ وتوفيق الترك، أو بين ما فعلتها من الخطايا والمطلوب المغفرة. قال ابن دقيق العيد: المراد بالمباعدة محو ما حصل منها وترك المؤاخذة بها، أو المنع من وقوعها والعصمة منها. وفيه مجازان: أحدهما استعمال المباعدة في ترك المؤاخذة أو في العصمة منها، وحقيقة المباعدة إنما هي في الزمان والمكان. الثاني استعمال المباعدة في الإزالة بالكلية مع أن أصلها لا يقتضي الزوال، وليس المراد ههنا البقاء مع البعد ولا ما يطابقه من المجاز. (كما باعدت) أي كتبعيدك (بين المشرق والمغرب) أخرجه مخرج المبالغة؛ لأن المفاعلة إذا لم تكن للمغالبة فهي للمبالغة، وموقع التشبيه أن التقاء المشرق والمغرب مستحيل، فكأنه أراد أن لا يقع منها اقتراب بالكلية، والمعنى أمح ما حصل من خطاياى، وحل بيني وبين ما يخاف من وقوعه حتى لا يبقى لها منى اقتراب بالكلية. (نقني) بتشديد القاف من التنقية (كما ينقى) بصيغة المجهول (الثوب الأبيض من الدنس) بفتح الدال والنون فسين مهملة، أي الدرن والوسخ، وهذا مجاز عن إزالة الذنوب ومحو أثرها بالكلية، أي طهرني منها بأتم وجه وأوكدها. وشبه بالثوب الأبيض لأن الدنس فيه أظهر من غيره من الألوان. (اللهم اغسل خطاياى بالماء والثلج) بسكون اللام (والبرد) بفتحتين جمع بردة، ماء الغمام يتجمد في الهواء البارد ويسقط على الأرض حبوباً. قال الخطابي: هذه أمثال ولم يرد أعيان هذه المسميات، وإنما أراد بها التأكيد في التطهير والمبالغة في محوها عنه. وقيل: خص الثلج والبرد بالذكر؛ لأنهما ماءان مفطوران على خلقتهما لم يستعملا ولم تنلهما الأيدي، ولم تخضهما الأرجل كسائر المياه التي خالطت التراب، وجرت في الأنهار، وجمعت في الحياض، فهما أحق بكمال الطهارة. وقال ابن دقيق العيد: عبر بذلك عن غاية المحو أعنى بالمجموع، فإن الثوب الذي تكرر عليه

<<  <  ج: ص:  >  >>