٨١٩- (٢) وعن علي رضي الله عنه قال: ((كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا قام إلى الصلاة-
ــ
التنقية بثلاثة أشياء منقية يكون في غاية النقاء. قال: ويحتمل أن يكون المراد أن كل واحد من هذه الأشياء مجاز عن صفة يقع بها المحو. ولعل ذلك كقوله تعالى:{واعف عنا واغفر لنا وارحمنا}[٢: ٢٨٦] فكل واحدة من هذه الصفات أعني العفو والمغفرة والرحمة لها أثر في محو الذنب، فعلى هذا الوجه ينظر إلى الأفراد ويجعل كل فرد من أفراد الحقيقة دالاً على معنى فرد مجازي، وفي الوجه الأول لا ينظر إلى أفراد الألفاظ بل يجعل جملة اللفظ دالة على غاية المحو للذنب-انتهى. وقال الطيبي: يمكن أن يكون المطلوب من ذكر الثلج والبرد بعد الماء شمول أنواع الرحمة والمغفرة بعد العفو؛ لإطفاء حرارة عذاب النار التي هي في غاية الحرارة، ومنه قولهم: برد الله مضجعه، أي رحمه ووقاه عذاب النار-انتهى. ويؤيده ورود وصف الماء بالبرودة في حديث عبد الله بن أبي أوفى عند مسلم، وكأنه جعل الخطايا بمنزلة نار جهنم لكونها مسببة عنها، فعبر عن إطفاء حرارتها بالغسل، وبالغ فيه باستعمال المبردات ترقياً عن الماء إلى أبرد منه. وقال الكرماني: يحتمل أن يكون الدعوات الثلاث إشارة إلى الأزمنة الثلاثة، فالمباعدة للمستقبل، والتنقية للحال، والغسل للماضي-انتهى. وكان تقديم المستقبل للاهتمام بدفع ما سيأتي قبل رفع ما حصل. ثم إن أمثال هذا السؤال منه - صلى الله عليه وسلم - من باب إظهار العبودية وتعظيم الربوبية، وإلا فهو مع عصمته مغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر لو كان هناك ذنب. وقيل: إن الاستغفار له زيادة خير، والمغفرة حاصلة بدون ذلك لو كان هناك ذنب. وفيه إرشاد للأمة إلى الاستغفار، وقد ورد الأمر بذلك الدعاء في حديث سمرة عند البزار. والحديث يدل على مشروعية دعاء الافتتاح بعد التحريم قبل القراءة بالفرض والنفل خلاف للمشهور عن مالك، وورد فيه أيضاً حديث:"وجهت وجهي" إلى أخره، وهو عند مسلم من حديث علي، قيل: يخير العبد بين هذا الدعاء والدعاء الذي في حديث علي، وسيأتي الكلام فيه في الفصل الثاني. (متفق عليه) وأخرجه أيضاً أحمد وأبوداود والنسائي وابن ماجه.
٨١٩- قوله:(إذا قام إلى الصلاة) أي مكتوبة كانت أو نافلة، فإنه ليس فيه ما يدل على كون هذا الذكر مخصوصاً بالنوافل دون الفرض. وقد روى أيضاً هذا الحديث الترمذي وأبوداود والنسائي وابن حبان والدارقطني والشافعي، وليس في رواية لهؤلاء المخرجين أنه كان في صلاة الليل، بل وقع في رواية للترمذي وأبي داود:"إذا قام إلى الصلاة المكتوبة" ووقع في رواية للدارقطني: "إذا ابتدأ الصلاة المكتوبة". وقال الشوكاني: وأخرجه أيضاً ابن حبان وزاد: "إذا قام إلى الصلاة المكتوبة" وكذلك رواه الشافعي وقيده أيضاً بالمكتوبة وكذا غيرهما، فالقول بأن هذا الذكر مخصوص بصلاة التطوع ولا يكون مشروعاً في الفريضة كما هو مذهب الحنفية باطل جداً. وإيراد مسلم هذا الحديث في صحيحه في صلاة الليل لا يدل على أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يقوله في التهجد دون الفرض ما لم يدل الحديث على ذلك كما لا يخفى