وفي رواية: كان إذا افتتح الصلاة- كبر، ثم قال: وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا من المسلمين.
ــ
وأما ما وقع في حديث محمد بن مسلمة عند النسائي:"كان إذا قام يصلي تطوعا قال: الله أكبر، "وجهت وجهي" الخ. فليس فيه دليل على كونه مخصوصا بالتطوع لوجود التقييد بالمكتوبة في أكثر روايات علي رضي الله عنه، ولا منافاة بينهما؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يقول هذا الذكر في الفريضة وصلاة الليل كلتيهما، فقال علي في روايته: "إذا قام إلى الصلاة المكتوبة" وقال محمد بن سلمة: "إذا قام يصلي تطوعا" وأجاب بعض الحنفية عن الروايات التي فيها التقييد بالمكتوبة بأنه كان في أول الأمر كما في شرح المنية لابن أمير الحاج، وفيه أن هذا ادعاء محض لا دليل عليه، فهو مردود على قائله. (وفي رواية: كان إذا افتتح الصلاة كبر ثم قال: وجهت) هذا صريح في أن هذا الذكر بعد تكبير التحريمة لا كما ذهب إليه المتأخرون من الحنفية وغيرهم من أنه قبل التكبير ليكون أبلغ في إحضار القلب وجمع العزيمة، وقولهم هذا مما لا أصل له في السنة، بل هو منابذ للسنة الصحيحة الثابتة. لأن الثابت في الأحاديث التوجيه في الصلاة أي بعد التحريمة لا قبلها. (وجهي) بسكون الياء وفتحها أي توجهت بالعبادة بمعنى أخلصت عبادتي لله، وقيل: صرفت وجهي وعملي ونيتي، أو أخلصت وجهتي وقصدي. (للذي فطر السموات والأرض) أي ابتدأ خلقهما من غير مثال سبق (حنيفاً) حال من ضمير "وجهت" أي مائلاً إلى الدين الحق ثابتا عليه، قال الجزري: الحنيف المائل إلى الإسلام، الثابت عليه، والحنيف عند العرب من كان على دين إبراهيم - عليه السلام -، وأصل الحنف الميل. (وما أنا من المشركين) بيان للحنيف وإيضاح لمعناه. والمشرك يطلق على كل كافر من عابد وثن وصنم، ويهودي ونصراني ومجوسي ومرتد وزنديق وغيرهم. (إن صلاتي ونسكي) النسك - بضم النون والمهملة - الطاعة والعبادة وكل ما تقرب به إلى الله تعالى، وعطفه على الصلاة من عطف العام على الخاص (ومحياي ومماتي) أي حياتي ومماتي، ويجوز فتح الياء فيهما وإسكانهما، والأكثرون على فتح ياء محياي، وإسكان مماتي (لله) أي هو خالقهما ومقدرهما، أو هو المالك لهما والمختص بهما لا تصرف لغيره فيهما. وقيل: طاعات الحياة والخيرات المضافة إلى الممات كالوصية والتدبير، أو ما أنا عليه من العبادة في حياتي وما أموت عليه خالصة لوجه الله. (رب العالمين) بدل أو عطف بيان؛ أي مالكهم ومربيهم وهم ما سوى الله على الأصح. (لا شريك له) هو تأكيد لقوله: "رب العالمين" المفهوم منه الاختصاص. (وبذلك) أي بالتوحيد الكامل الشامل للإخلاص قولاً واعتقاداً. (وأنا من المسلمين) قال السندي: كأنه كان يقول أحياناً كذلك لإرشاد الأمة إلى ذلك ولإقتدائهم به فيه، وإلا فاللائق به - صلى الله عليه وسلم - "وأنا أول المسلمين" كما جاء في كثير من الروايات – انتهى. قلت: وقع في رواية أبي داود وكذا في رواية لمسلم. "وأنا أول المسلمين" أي من هذه الأمة؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان أول مسلمي هذه الأمة. قال في الانتصار: إن غير النبي إنما يقول: "وأنا من المسلمين" وهو وهم