للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت، ثم قال: ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل في جوف الليل، ثم تلا {تتجافى جنوبهم عن المضاجع} حتى بلغ {يعملون} ، ثم قال: ألا أدلك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟

ــ

عطف عدم الإشراك على العبادة (ألا أدلك على أبواب الخير) أي الطرق الموصلة به، والمراد بها النوافل، يدل عليه قوله: ((صلاة الرجل في جوف الليل)) لئلا يلزم التكرار؛ لأنه قد تقدم ذكر الصلاة وغيرها من الفرائض، وجعل هذه الأشياء أبواب الخير لأن الصوم شديد على النفس وكذا إخراج المال في الصدقة وكذا الصلاة في جوف الليل، فمن اعتادها يسهل عليه كل خير؛ لأن المشقة في دخول الدار تكون بفتح الدار المغلق (الصوم جُنَّة) بضم الجيم: الترس والوقاية، أي يقي صاحبه ما يؤذيه من الشهوات والمعاصي المؤدية إلى النار في الآخرة، كالمجن الذي يقي صاحبه عند القتال من الضرب، فالشبع مجلبة للآثام منقصة للإيمان، فإنه يوقع الإنسان في مداحض فيزيغ عن الحق ويغلب عليه الكسل، فيمنعه من وظائف العبادات ويكثر المواد الفضول فيه فيكثر غضبه وشهوته ويزيد حرصه، فيوقعه في طلب ما زاد على حاجته فيوقعه في المحارم (تطفئ الخطيئة) من الإطفاء يعني تذهبها وتمحو أثرها، أي إذا كانت متعلقة بحق الله، وإذا كانت من حقوق العباد فتدفع تلك الحسنة إلى خصمه عوضاً من مظلمته، ونزل في الحديث الخطيئة منْزلة النار المؤدية هي إليها على الاستعارة المكنية، ثم أثبت لها على الاستعارة التخييلية ما يلازم النار من الإطفاء (وصلاة الرجل في جوف الليل) مبتدأ حذف خبره، أي هي مما لا يكننه كنهها، أو هي مما نزلت فيها الآية المذكورة، أو هي من أبواب الخير، أو هي شعار الصالحين، والأظهر بل المتعين أن يقدر خبره كذلك، أي أنها تطفئ الخطيئة أيضاً كالصدقة، يدل عليه ما أخرجه أحمد من رواية عروة بن النَزال عن معاذ قال: أقبلت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - من غزوة تبوك ... فذكر الحديث، وفيه ((إن الصوم جنة، والصدقة وقيام العبد في جوف الليل يكفر الخطيئة)) ، (ثم تلا) يعني قرأ هاتين الآيتين عند ذكره فضل صلاة الليل ليبين بذلك فضل صلاة الليل (تتجافى جنوبهم) أي تتباعد (يدعون ربهم) بالصلاة والذكر والقراءة والدعاء، ويدخل في عموم لفظ الآية من صلى بين العشائين ومن انتظر صلاة العشاء فلم يقم حتى يصليها لا سيما مع حاجته إلى النوم ومجاهدة نفسه على تركه لأداء الفريضة، ومن نام ثم قام من نومه بالليل للتهجد، وهو أفضل أنواع التطوع بالصلاة مطلقاً، وربما دخل فيه من ترك النوم عند طلوع الفجر وقام إلى أداء صلاة الصبح لا سيما مع غلبة النوم عليه (حتى بلغ يعملون) بقية الآية: {خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون. فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون} [سورة السجدة] (ألا أدلك برأس الأمر) أي مخبراً بأصله، والمراد بالأمر الدين الذي بعث به (وعموده) بفتح أوله أي ما يقوم به الدين ويعتمد عليه (وذروة سنامه) بكسر الذال وهو الأشهر وبضمها، وحكى

<<  <  ج: ص:  >  >>