للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وذلك من معناها شبيه بمعنى فاتحة الكتاب، وإنما قيل لها لكونها كذلك أم القرآن تسمية العرب كل جامع أمراً أو مقدماً لأمر إذا كانت له توابع تتبعه، هو لها إمام جامع أماً – انتهى. وقال ابن منظور في لسان العرب. (ج١: ص٢٩٧) : وأم الكتاب فاتحة؛ لأنه يبتدأ بها في كل صلاة، قال: وجاء في الحديث أن أم الكتاب هي فاتحة الكتاب؛ لأنها هي المقدمة أمام كل سورة في جميع الصلوات، وابتدئ بها في المصحف فقدمت– انتهى. والحديث دليل على أن قراءة الفاتحة في الصلاة ركن من أركانها وفرض من فروضها، وأنه لا تصح صلاة من لم يقرأ بفاتحة الكتاب فيها. قال الشاه ولي الله في حجته. (ج٢: ص٤) تحت قوله: الأمور التي لا بد منها في الصلاة: وما ذكره النبي - صلى الله عليه وسلم - بلفظ الركنية كقوله: "لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب" وقوله: "لا تجزئ صلاة الرجل حتى يقيم ظهره في الركوع والسجود" وما سمي الشارع الصلاة به، فإنه تنبيه بليغ على كونه ركنا في الصلاة- انتهى. وحديث عبادة هذا رواه الدارقطني وابن خزيمة وابن حبان، وغيرهم بإسناد صحيح بلفظ: لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب. وهذه الرواية نص صريح في ركنية الفاتحة لا تحتمل تأويلاً. وأجاب من قال بعدم فرضية الفاتحة وهو الحنفية عن حديث الباب بأن المراد بالنفي في قوله: "لا صلاة" نفى الكمال، أي لا صلاة كاملة. ورد هذا الجواب بوجهين: الأول: أن رواية الدارقطني وغيره بلفظ: "لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب" لا تحتمل تأويلاً، بل هي تبطل تأويلهم هذا إبطالاً صريحاً؛ لأن النفي فيها نفي الإجزاء أي نفي الكفاية فلا يصح حملها على الكفاية مع نفى الكمال. والثاني: أن النفي في قوله: "لا صلاة" إما أن يراد به نفي الحقيقة، أو نفي الصحة أو نفى الكمال، فالأول حقيقة والثاني والثالث مجاز، والثاني أعني نفي الصحة أقرب المجازين إلى الحقيقة، والثالث أعني نفى الكمال أبعدهما، فحمل النفى على الحقيقة واجب إن أمكن، وإلا فحمله على أقرب المجازين واجب ومتعين، ومع إمكان الحقيقة أو أقرب المجازين، لا يجوز حمله على أبعد المجازين. قال الشوكاني: الحديث يدل على تعيين الفاتحة في الصلاة، وأنه لا يجزئ غيرها؛ لأن النفي المذكور في الحديث يتوجه إلى الذات إن أمكن انتفاءها، وإلا توجه إلى ما هو أقرب إلى الذات وهو الصحة، لا إلى الكمال؛ لأن الصحة أقرب المجازين، والكمال أبعدهما، والحمل على أقرب المجازين واجب، وتوجه النفي ههنا إلى الذات ممكن كما قال الحافظ في الفتح، لأن المراد بالصلاة معناها الشرعي لا اللغوي، لما تقرر من أن ألفاظ الشارع محمولة على عرفه لكونه بعث لتعريف الشرعيات لا لتعريف الموضوعات اللغوية، وإذا كان المنفي الصلاة الشرعية استقام نفي الذات؛ لأن المركب كما ينتفي بانتفاء جميع أجزائه ينتفي بانتفاء بعضها، فلا يحتاج إلى إضمار الصحة ولا الإجزاء ولا الكمال كما روى عن جماعة؛ لأنه إنما يحتاج إليه عند الضرورة، وهي عدم إمكان انتفاء الذات، ولو سلم أن المراد هنا الصلاة اللغوية فلا يمكن توجه النفي إلى الذات؛ لأنها قد وجدت في الخارج كما قاله البعض، لكان المتعين توجيه النفي إلى الصحة أو الإجزاء لا إلى الكمال، أما أولاً فلما ذكرناه، وأما ثانياً فرواية

<<  <  ج: ص:  >  >>