الزيادة من الثقة صحيحة في موضع، وخطأ ووهماً في موضع، وكذا التوقف في أمرها في موضع، ليس إلا من شأن البخاري وأمثاله ممن رزقهم الله فهما ثاقباً، وحفظاً واسعاً، ومعرفة تامة بمراتب الرواة، وملكة قوية بالأسانيد والمتون، فلا يقبل في ذلك إلا قول البخاري، ومن كان من أهل هذا الشأن كعلي بن المديني، وأحمد بن حنبل، وأبي زرعة، والدارقطني وأبي حاتم وأمثالهم. وإذا كان الأمر كذلك فكون زيادة قوله:"فصاعداً" معلولة غير صحيحة، هو الراجح بل هو المتعين. ولو سلم صحتها فليست فيها دلالة على أن قراءة ما زاد على الفاتحة واجبة. قال الحافظ في الفتح: استدل به على وجوب قدر زائد، وتعقب بأنه ورد لدفع توهم قصر الحكم على الفاتحة. قال البخاري في جزء القراءة: هو نظير قوله: تقطع اليد في ربع دينار فصاعدا- انتهى. يعني أن قوله:"فصاعداً" لبيان أدنى ما يترتب عليه الحكم مع شموله على فائدة أخرى وهي دفع توهم قصر الحكم على ما قبله، فكما أن ربع الدينار أدنى ما تقطع به اليد كذلك قراءة الفاتحة أدنى ما تجزئ به الصلاة، ولا يقتصر حكم صحة الصلاة على الفاتحة، بل تصح الصلاة في صورة الزيادة على الفاتحة أيضاً. وقال المظهر: قوله: "فصاعداً" أي فزائدا، وهو منصوب على الحال أي لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن فقط، أو بأم القرآن حال كون قراءته زائدة على أم القرآن- انتهى. وهذا يدل على أنه فهم منه التخيير فيما زاد على الفاتحة. وقال الشيخ عبد الحق الدهلوي في أشعة اللمعات في تفسير قوله:"فصاعداً": بس بخواند فوق فاتحة وزيادة برآن، يعني فاتحة البتة مي بايد خواند، ومقتصر بر فاتحة هم نيست، واكر جيزبـ زيادة كند نيز درست است-انتهى. وقال السندي في حاشية النسائي: لعلهم أي الذين ذهبوا إلى عدم وجوب ما زاد على الفاتحة يحملونه على معنى: "فما كان صاعداً فهو أحسن" والله أعلم. وقال صاحب العرف الشذى (ص١٤٥) : زعم الأحناف مراد الحديث وجوب الفاتحة ووجوب ضم السورة، ولكنه يخالف اللغة، فإن أرباب اللغة متفقون على أن ما بعد الفاء يكون غير ضروري، وصرح به سيبوية في باب الإضافة-انتهى. ومما يدل على كون قوله:"فصاعداً" لدفع توهم قصر الحكم وعدم وجوب ما زاد، ما روى ابن أبي شيبة عن عائشة مرفوعاً:"لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب وآيتين فصاعداً". وعن عمران بن حصين قال:"لا يجوز صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب وآيتين فصاعداً. وروى ابن عدي عن ابن عمر: "لا تجزئ المكتوبة إلا بفاتحة الكتاب وثلاث آيات فصاعداً" كذا في كنز العمال. (ج٤: ص٩٦) وهذه الروايات وإن كانت ضعيفة لكنها تؤيد ما تقدم من أن قوله: "فصاعداً" لدفع توهم قصر الحكم على ما قبله، وأنه ليس فيه دلالة على وجوب ما زاد على الفاتحة. وأما حديث أبي هريرة بلفظ: "لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب وما زاد" فهو ضعيف، فإن مداره على جعفر بن ميمون، وقال أحمد فيه: ليس بقوي في الحديث. وقال ابن معين: ليس بذلك. وقال النسائي: ليس بثقة. وقال البخاري: ليس بشيء. وذكره يعقوب بن سفيان في باب من يرغب عن الرواية عنهم. وقال العقيلي في روايته عن أبي عثمان،