النبي - صلى الله عليه وسلم - أمره أن يخرج فينادي: لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب وما زاد. وأخرج أبوداود وغيره عن أبي سعيد، قال: أمرنا أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر-انتهى. قلت: الاستدلال بقوله:: "فصاعداً" على وجوب ما زاد على الفاتحة وجعله قرينة لحمل قوله: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" على الإمام والمنفرد خاصة دون المقتدي، ليس بصحيح، فإن هذه الزيادة معلولة. قال في التلخيص (ص٨٧) : قال ابن حبان: تفرد بها معمر عن الزهري وأعلها البخاري في جزء القراءة- انتهى. قلت: قال البخاري في جزء القراءة (ص٢) : عامة الثقات لم يتابع معمراً في قوله: "فصاعداً" وقوله: "فصاعداً" غير معروف. ويقال: إن عبد الرحمن بن إسحاق تابع معمراً، وأن عبد الرحمن ربما روى عن الزهري ثم أدخل بينه وبين الزهري غيره، ولا نعلم أن هذا من صحيح حديثه أم لا. وقال (ص١٧) : وليس هذا يعني عبد الرحمن بن إسحاق ممن يعتمد على حفظه إذا خالف من ليس بدونه، وقال إسماعيل بن إبراهيم: سألت أهل المدينة عن عبد الرحمن فلم يحمد مع أنه لا يعرف له بالمدينة تلميذاً إلا أن موسى الزمعي روى عنه أشياء في عدة منها اضطراب – انتهى. وأما ما ذكر من متابعة سفيان بن عيينة عن الزهري عن أبي داود، ففيه أن هذا الحديث من هذا الطريق أعنى من طريق سفيان بن عيينة عن الزهري أخرجها البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارقطني وابن أبي شبة وأبوعوانة وغيرهم، لكن ليس في رواية واحد منهم هذه الزيادة، وأيضاً قد روى البخاري في جزء القراءة حديث عبادة من طريق سفيان، ثم ذكر زيادة معمر هذه، وقال: عامة الثقات لم يتابع معمراً في قوله: "فصاعداً"، فهذا يدل على أن هذه الزيادة لم يعرفها البخاري في رواية سفيان، فالظاهر أن زيادة قوله:"فصاعداً" في رواية سفيان وهم من أبي داود أو ممن فوقه بأن أدرج زيادة معمر في رواية سفيان، ولا بُعد فيه فإن الثقة قد يهم. وأما ما قيل من أن زيادة قوله:"فصاعداً" زيادة ثقة غير منافية لمن هو أوثق منه فتقبل، ففيه أن قبول الزيادة من الثقة ليس مجمعاً عليه بل فيه خلاف مشهور، فمن الناس من يقبل زيادة الثقة مطلقاً، ومنهم من لا يقبلها. قال الزيلعي في نصب الراية. (ج١: ص٣٣٦) : والصحيح التفصيل، وهو أنها تقبل في موضع دون موضع، ومن حكم في ذلك حكماً عاماً فقد غلط، بل كل زيادة لها حكم يخصها، ففي موضع يجزم بصحتها، وفي موضع يغلب على الظن صحتها، وفي موضع يجزم بخطأها كزيادة معمر ومن وافقه قوله:"وإن كان مائعاً فلا تقربوه" وإن كان معمر ثقة، فإن الثقة قد يغلط، وفي موضع يغلب على الظن خطأها كزيادة معمر في حديث ماعز الصلاة عليه، رواها البخاري في صحيحه، وسئل هل رواها غير معمر؟ فقال: لا. وقد رواه أصحاب السنن الأربعة عن معمر: وقال فيه: "ولم يصل عليه" فقد اختلف على معمر في ذلك، والراوي عن معمر هو عبد الرزاق، وقد اختلف عليه أيضاً، والصواب أنه قال:"ولم يصل عليه". وفي موضع يتوقف في الزيادة كما في أحاديث كثيرة – انتهى كلام الزيلعي مختصراً. ومما يجب التنبه عليه أن الإطلاع على وهم الثقة وخطئه، والحكم بكون