فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: قال الله تعالى: قسمت الصلاة
ــ
إلى –انتهى. وقال البيهقي في كتاب القراءة (ص١٧) : المراد بقوله: "اقرأ بها في نفسك" أن يتلفظ بها سراً دون الجهر بها، ولا يجوز حمله على ذكرها بقلبه دون التلفظ بها لإجماع أهل اللسان على أن ذلك لا يسمى قراءة، ولإجماع أهل العلم على أن ذكرها بقلبه دون التلفظ بها ليس بشرط ولا مسنون، فلا يجوز حمل الخبر على ما لا يقول به أحد، ولا يساعده لسان العرب- انتهى. وقال النووي: معناه اقرأ سراً بحيث يسمع نفسك، وأما ما حمله بعض المالكية وغيرهم أن المراد تدبر ذلك وتذكره فلا يقبل؛ لأن القراءة لا تطلق إلا على حركة اللسان بحيث يسمع نفسه، ولهذا اتفقوا على أن الجنب لو تدبر القرآن بقلبه من غير حركة لسانه لا يكون قارئاً مرتكباً لقراءة الجنب المحرمة-انتهى. وقال الشيخ عبد الحق الدهلوى في أشعة اللمعات: اقرأ بها في نفسك بخواني فاتحة را بس أمام نيز، أما آهسته جنانجه بشنوائي خودرا-انتهى. قلت: حقيقة القراءة في النفس هي القراءة سراً من غير جهر، قال تعالى:{اذكر ربك في نفسك}[٧: ٢٠٥] . قال السويطي: أي سراً. قال الجمل: أي أسمع نفسك. وقال في الهداية: إلا أن يقرأ الخطيب قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه}[٣٣: ٥٦] الآية، فيصلي السامع في نفسه-انتهى. قال في الكفاية: قوله: "فيصلي السامع في نفسه" أي فيصلي بلسانه خفيا-انتهى. واعلم أنه قال بعض الحنفية: أن المراد بالقراءة في النفس: أن يقرأ على وجهه وعلى حياله، لا معاملة له مع غيره، ولا يقصد إسماعه، ويكون أمير نفسه، يقرأ لنفسه يعني يقرأ حال كونه منفرداً وفذاً لا مأموماً. وتعقب بأن حقيقة القراءة في النفس إنما هي الإسرار بالقراءة لا غير، وهو الذي فهمه مالك كما يظهر من تبويبة في المؤطا على هذا الحديث، وأما ما ذكره هذا البعض فهو معنى لنفسه لا في نفسه، ولذلك لم يخطر ما قاله هذا البعض ببال أحد ممن تقدم قبله من شراح الحديث وأصحاب المذاهب مع تداول الحديث وشهرته فيما بينهم، قال النووي: قول أبي هريرة هذا يؤيد وجوب الفاتحة على المأموم-انتهى وقال شيخنا في أبكار المنن (ص١٣٩) : وفي رواية أبي عوانة: "فقلت لأبي هريرة: فإني أسمع قراءة القرآن. فغمزني بيده فقال: يا فارسي أو ابن الفارسي! اقرأ بها في نفسك. وفي رواية للبخاري في جزء القراءة قلت: يا أبا هريرة! كيف أصنع إذا كنت مع الإمام وهو يجهر بالقراءة؟ قال ويلك يا فارسي! اقرأ بها في نفسك. وكذلك في رواية للبيهقي في جزء القراءة؛ فظهر بهذه الروايات أن أبا هريرة كان يفتي بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بقراءة الفاتحة خلف الإمام في جميع الصلوات سرية كانت أو جهرية، وفي إفتاء بهذا دلالة واضحة على أن حديثه: "من صلى صلاة لم يقرأ بأم القرآن فهي خداج" باق على عمومة، شامل للإمام والمأموم والمنفرد، لأن راوي الحديث أعرف بالمراد منه من غيره-انتهى.. (فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول) هذا استدلال من أبي هريرة على ما أفتى به من القراءة للمأموم، وعدول إلى الحديث الآتي لبيان دليل آخر على وجوب الفاتحة. (قال الله تعالى: قسمت) بصيغة المتكلم. (الصلاة) بالنصب على المفعولية، قال العلماء: المراد بالصلاة هنا الفاتحة، سميت بذلك؛ لأنها لا تصح إلا بها كقوله - صلى الله عليه وسلم -: "الحج عرفة"، ففيه دليل على وجوبها