بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل. فإذا قال العبد:((الحمد لله رب العالمين)) قال الله تعالى: حمدني عبدي. وإذا قال:((الرحمن الرحيم)) قال تعالى: أثنى علي عبدي. وإذا قال:((مالك يوم الدين)) قال: مجدني عبدي.
ــ
بعينها في الصلاة، والمراد قسمتها من جهة المعنى؛ لأن نصفها الأول تحميد لله تعالى وتمجيده، وثناء عليه، وتفويض إليه، والنصف الثاني سؤال وطلب وتضرع وافتقار، قاله النووي. وقال السندي: وجه الاستدلال أي على افتراض قراءة الفاتحة هو أن قسمة الفاتحة جعلت قسمة للصلاة، واعتبرت الصلاة مقسومة باعتبارها، ولا يظهر ذلك إلا عند لزوم الفاتحة فيها-انتهى. وقال الخطابي في المعالم (ج١: ص٢٠٣) : المراد بالصلاة القراءة، يدل على ذلك قوله عند التفسير له والتفصيل للمراد منه إذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين، يقول الله: حمدني عبدي، إلى آخر السورة، وقد تسمى القراءة صلاة لوقوعها في الصلاة وكونها جزءاً من أجزائها، كقوله تعالى:{ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها}[١٧: ١١٠] قيل: معناه القراءة. وقال:{وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهوداً}[٧٨: ١٧] أراد صلاة الفجر فسمى الصلاة مرة قرآناً والقرآن مرة صلاة، لانتظام أحدهما الآخر، يدل على صحة ما قلناه قوله:"بيني وبين عبدي نصفين" والصلاة خالصة لله لا شرك فيها لأحد، فعقل أن المراد به القراءة، وحقيقة هذه القسمة منصرفة إلى المعنى، لا إلى متلو اللفظ، وذلك أن السورة من جهة المعنى نصفها ثناء ونصفها مسألة ودعاء، وقسم الثناء ينتهي إلى قوله تعالى:{إياك نعبد} وهو تمام الشطر الأول من السورة، وباقي الآية وهو قوله:{وإياك نستعين} من قسم الدعاء والمسألة، ولذلك قال: وهذه الآية بيني وبين عبدي. ولو كان المراد به قسم الألفاظ والحروف لكان نصف الآخر يزيد على الأول زيادة بينه فيرتفع معنى التعديل والتنصيف، وإنما هو قسمة المعاني كما ذكرته لك-انتهى. وقيل: التنصيف ينصرف إلى آيات السورة؛ لأنها سبع آيات، ثلاث ثناء وثلاث سؤال، والآية المتوسطة نصفها ثناء ونصفها دعاء. (ولعبدي ما سأل) أي بعينه إن كان وقوعه معلقاً على السؤال، وإلا فمثله من رفع درجة ودفع مضرة ونحوهما. وقيل المعنى: لعبدي ما سأل من أحد النصفين، فهو وعد من الله تعالى بإعطاء النصف الذي للعبد، ويحتمل أن يكون هذا وعداً لما وراء النصف الذي للعبد، يعني آذن لعبدي أن يسأل ما شاء غير النصف الذي له. (حمدني عبدي) الحمد هو الثناء على الجميل الاختياري نعمة كان أو غيرها. (أثنى على عبدي) الثناء هو ذكر الخير باللسان على جهة التعظيم. (مالك يوم الدين) أي الحساب. وقيل: الجزاء، وخص بالذكر لأن الله تعالى هو المنفرد بالملك ذلك اليوم، ويجزاء العباد وحسابهم، ولا دعوى لأحد ذلك اليوم حقيقة ولا مجازا. وأما في الدنيا فلبعض العباد ملك مجازي، ويدعى بعضهم دعوى باطلة وكل هذا ينقطع في ذلك اليوم. (مجدني) أي عظمني، والتمجيد نسبة إلى المجد وهو العظمة، أي ذكرني بالعظمة والجلال. قال النووي: قوله: "حمدني عبدي" وأثنى على ومجدني" إنما قاله؛ لأن التحميد الثناء بجميل الفعال، والتمجيد الثناء بصفات الجلال، ويقال: