وإذا قال:{إياك نعبد وإياك نستعين} قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل. فإذا قال:{اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم، غير المغضوب عليهم ولا الضالين} قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل))
ــ
"أثنى عليه" في ذلك كله، ولهذا جاء جواباً للرحمن الرحيم لاشتمال اللفظين على الصفات الذاتية والفعلية-انتهى. قيل: الرحمة رحمتان: رحمة ذاتية مطلقة امتنانية، وهي التي وسعت كل شيء لا سبب لها ولا موجب، وليست بمقابلة شيء، والأخرى هي الفائضة عن الرحمة الذاتية، مقيدة بشروط موجبه لها من أعمال وأحوال وغيرهما، ومتعلق طمع إبليس هو الأول. (إياك نعبد) أي نخصك للعبادة. وقدم المعمول للاختصاص والحصر. (وإياك نستعين) أي نخصك بالاستعانة على العبادة وغيرها. (هذا بيني وبين عبدي) قال القرطبي: إنما قال الله تعالى هذا لأن في ذلك تذلل العبد لله تعالى وطلبه الاستعانة منه، وذلك يتضمن تعظيم الله وقدرته على ما طلب منه. وقال الباجي: معناه أن بعض الآية تعظيم للباري، وبعضها استعانة على أمر دينه ودنياه من العبد به. (ولعبدي ما سأل) من العون وغيره. وقيل: كرره تأكيداً، والمراد هو ما ذكره أولاً. (فإذا قال) العبد. (اهدنا الصراط المستقيم) قيل: هو بيان للمعونة المطلوبة، وقيل: إفراد لما هو أعظم مقصودا، أي ثبتناً على دين الإسلام أو طريق متابعة الحبيب - عليه الصلاة والسلام - (صراط الذين أنعمت عليهم) من النبي ين والصديقين والشهداء والصالحين. (غير المغضوب عليهم) أي اليهود. (ولا الضالين) أي غير النصارى. (هذا لعبدي) أي مختص بالعبد؛ لأنه دعاء وسؤال يعود نفعه إلى العبد. (ولعبدي ما سأل) أي غير هذا، والمعنى: هذا متحقق وثابت لعبدي، وغيره مما يسأله موعود إجابته. والحديث قد استدل به على أن البسملة ليست من الفاتحة؛ لأن الفاتحة سبع آيات بالإجماع فثلاث في أولها ثناء، أولها:{الحمدلله} وثلاث دعاء، أولها:{اهدنا الصراط المستقيم} والرابعة متوسطة، وهي:{إياك نعبد وإياك نستعين} ؛ ولأنه لم يذكر البسملة في ما عددها ولو كانت منها لذكرها. ولأنه بدأ القراءة بالحمد لله رب العالمين، ولو كانت البسملة منها لابتدأ بها؛ لأن هذا محل بيان واستقصاء لآيات السورة، والحاجة إلى قراءة البسملة أمس. وأجيب: بأن التنصيف عائد إلى ما يختص بالفاتحة من الآيات الكاملة، وبأن معناه: فإذا انتهى العبد في قراءته إلى: {الحمد لله رب العالمين} فحينئذٍ تكون القسمة، وبأنه جاء في بعض الروايات عنه ذكر التسمية كما أخرجه الدارقطني عن أبي هريرة مرفوعاً، وهذه الرواية وإن كان فيها ضعف ولكنها مفسرة لحديث مسلم أنه أراد السورة لا الآية. قلت: رواية الدارقطني هذه ضعيفة جداً، بل زيادة البسملة فيها باطلة قطعاً، فإن مدارها على عبد الله بن زياد بن لمعان، وهو متروك الحديث، متهم بالكذب، مجمع على ضعفه. قال مالك وابن معين: كان كذاباً. وقال أبوداود: متروك الحديث كان من الكذابين. وقد ذكر الدارقطني هذه الرواية في علله، وأطال فيها الكلام، ولخصه الزيلعي في