٨٣٠- (٣) وعن أنس ((أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر وعمر، رضي الله عنهما، كانوا يفتتحون الصلاة
بالحمد لله رب العالمين)) .
ــ
نصب الراية (ج١: ص٣٤٠) فارجع إليه. (رواه مسلم) وأخرجه أحمد والترمذي وأبوداود والنسائي وأخرجه ابن ماجه مختصراً.
٨٣٠- قوله:(كانوا يفتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين) بضم الدال على الحكاية، واختلف في المراد بذلك فقيل: المعنى كانوا يبتدؤن الصلاة بقراءة الفاتحة قبل السورة، وهذا قول من أثبت البسملة في أول الفاتحة. قال الشافعي في الأم بعد رواية الحديث: يعني يبدؤن بقراءة أم القرآن قبل ما يقرأ بعدها، والله تعالى أعلم، لا يعني أنهم يتركون:"بسم الله الرحمن الرحيم". وإلى هذا المعنى أشار النسائي حيث عقد على هذا الحديث: باب البداءة بفاتحة الكتاب قبل السورة. وتعقب: بأنها إنما تسمى الحمد فقط. وأجيب: بمنع الحصر ومستنده ثبوت تسميتها بهذه الجملة وهي: "الحمدلله رب العالمين" في صحيح البخاري. أخرجه في فضائل القرآن من حديث أبي سعيد بن المعلى: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: ألا أعلمك أعظم سورة في القرآن ... فذكر الحديث، وفيه قال:"الحمد لله رب العالمين" هي السبع المثاني، وقيل: المعنى كانوا يفتتحون بهذا اللفظ تمسكاً بظاهر الحديث، وهذا قول من نفى قراءة البسملة لكن لا يلزم من قوله:"كانوا يفتتحون بالحمد" أنهم لم يقرؤا: "بسم الله الرحمن الرحيم"سرا. وقد أطلق أبوهريرة السكوت على القراءة سراً. واعلم أنهم اختلفوا في قراءة البسملة في الصلاة بعد دعاء الافتتاح، فعن الشافعي: تجب وجوب الفاتحة، وعن مالك: يكره، وعن أبي حنيفة: تستحب، وهو المشهور عن أحمد. ثم اختلفوا، فعن الشافعي يسن الجهر، وعن أبي حنيفة لا يسن، وعن إسحق بن راهوية مخير بينهما، وإليه ذهب ابن حزم، وهو المرجح عندنا. وسبب هذا الاختلاف ما روي من الأحاديث المختلفة في هذا وحديث الباب قد استدل بظاهره من نفي التسمية أصلاً سراً وجهراً، وقد أسلفنا ما في هذا الاستدلال من الخدشة، وهي أنه لا يلزم منه نفي قراءة البسملة سراً؛ لأنه يشمل نفي الجهر أيضاً فافهم. وأيضاً قد كثرت الروايات عن أنس في هذا واضطربت نفياً وإثباتاً في الجهر بالتسمية، أو الإسرار، أو القراءة، أو نفيها. وفي بعضها: أن أنساً أخبر سائلة بأنه نسي ذلك، ولا شك أن روايات الإثبات أرجح وأقوى فهي المعتمد. وقد بسط العلماء الكلام في بيان الاضطراب ونفيه في حديث أنس إن شئت الوقوف عليه فارجع إلى نصب الراية، والفتح، وشرح المؤطا للزرقاني، وتنوي الحوالك، وتدريب الراوي للسيوطي. وقد أعله بعضهم بهذا الاضطراب كابن عبد البر حيث قال: اختلفت ألفاظها اختلافاً كثيراً مضطرباً، ثم ذكر الاختلاف وقال بعد بسطه: وهذا اضطراب لا تقوم معه حجة لأحد من الفقهاء، وحاول بعضهم الجمع، وسلك بعضهم مسلك الترجيح. قال الحافظ: والذي يمكن أن يجمع به مختلف ما نقل عنه