للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أنه - صلى الله عليه وسلم - كان لا يجهر بها، فحيث جاء عن أنس، أنه كان لا يقرأها، مراده نفي الجهر، وحيث جاء عنه إثبات القراءة فمراده السر، وقد ورد نفي الجهر عنه صريحاً فهو المعتمد. وقول أنس في رواية مسلم: لا يذكرون: "بسم الله الرحمن الرحيم" في أول قراءة ولا في آخرها. محمول على نفي الجهر أيضاً؛ لأنه الذي يمكن نفيه، واعتماد من نفي مطلقاً بقول: "كانوا يفتتحون القراءة بالحمد" لا يدل على ذلك؛ لأنه ثبت أنه كان يفتتح بالتوجه، وسبحانك اللهم، وباعد بيني وبين خطاياي، وبأنه كان يستعيذ، وغير ذلك من الأخبار الدالة على أنه قدم على قراءة الفاتحة شيئاً بعد التكبير، فيحمل قوله: "يفتتحون" أى الجهر، لتأتلف الأخبار-انتهى. وقال من سلك مسلك الترجيح: أن رواية الباب أصح الروايات عن أنس، قال الدارقطني: هو المحفوظ عن قتادة وغيره عن أنس، وقد اتفق البخاري ومسلم على إخراج هذه الرواية لسلامتها من الاضطراب. قال الزيلعي: وهذا اللفظ هو الذي صححه الخطيب وضعف ما سواه لرواية الحافظ له عن قتادة، ولمتابعة غير قتادة له عن أنس فيه، وجعله اللفظ المحكم عن أنس، وجعل غير متشابهاً، وحمله على الافتتاح بالسورة لا بالآية-انتهى. وأما ما روى مسلم عنه بلفظ: "صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر وعثمان، فلم أسمع أحداً منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم". وفي أخرى له: كانوا يفتتحون بالحمد لله رب العالمين، لا يذكرون: "بسم الله الرحمن الرحيم" في أول قراءة ولا في آخرها. فقد اضطرب أكثرهم فيه، ولذلك امتنع البخاري من إخراجه وهو من مفاريد مسلم. وأجاب بعض الشافعية عن روايتي مسلم بأن كلاً منهما رواية للفظ الأول بالمعنى الذي عبر عنه الراوي بما ذكر بحسب فهمه ولو بلغ الخبر بلفظه كما في البخاري لأصاب، ويؤيده ما قال العراقي في ألفيته:

وعلة المتن كنفي البسملة ... ... إذ ظن راوٍ نفيه فنقله

قال السخاوي في فتح المغيث (ص٩٥) : قوله: "فنقله" مصرحاً بما ظنه فقال: لا يذكرون: "بسم الله الرحمن الرحيم" في أول قراءة ولا في آخرها. وفي لفظ: "فلم يكونوا يفتتحون ببسم الله"، وصار بمقتضى ذلك حديثاً مرفوعاً. والراوي لذلك مخطئ في ظنه-انتهى. تنبيه: اعلم أنهم اختلفوا في أن: "بسم الله الرحمن الرحيم" آية من الفاتحة فقط، أو آية من كل سورة من سور القرآن سوى براءة، أو هي جزء من آية، أو هي آية مستقلة نزلت مع كل سورة سوى براءة لافتتاحها وللفصل بينها وبين غيرها، أو ليست آية أصلاً لا من الفاتحة ولا من كل سورة، قيل: إن من رأى أنها آية من الفاتحة أوجب قراءتها بوجوب قراءة الفاتحة عنده في الصلاة، ومن رأى أنها آية من أول لكل سورة وجب عنده أن يقرأها مع السورة. وقيل مسألة الجهر بالبسملة في الصلاة ليست مرتبة على مسألة إثبات البسملة من الفاتحة. قال اليعمري: إن جماعة ممن يرى الجهر بها لا يعتقدونها قرآناً، بل هي من السنن عندهم كالتعوذ والتأمين، وجماعة ممن يرى الإسرار بها يعتقدونها قرآناً. ولهذا قال النووي: إن مسألة الجهر ليست مرتبة على مسألة إثبات البسملة، وهذه المسألة من أهم مسائل الخلاف بين القراء

<<  <  ج: ص:  >  >>