زيد بن ثابت: ما لك تقرأ في المغرب بقصار المفصل وقد سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ بطولى الطوليين؟. ففيه إشعار بذلك لكونه أنكر على مروان المواظبة على القراءة بقصار المفصل، ولو كان مروان يعلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - واظب على ذلك لاحتج به على زيد، لكن لم يرو زيد منه فيما يظهر المواظبة على القراءة بالطوال، وإنما أراد منه أن يتعاهد ذلك كما رآه من النبي - صلى الله عليه وسلم -. وفي حديث أم الفضل. (يعني ما أخرجه البخاري عن ابن عباس: أن أم الفضل سمعته وهو يقرأ {والمرسلات عرفاً} فقالت: يا بني! لقد ذكرتني بقراءتك هذه السورة إنها لآخر سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ بها في المغرب. زاد في رواية:"ثم ما صلى لنا بعد حتى قبضه الله عزوجل" إشعار بأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في الصحة بأطول من المرسلات لكونه كان في حال شدة مرضه وهو مظنة التخفيف. وقال ابن خزيمة: هذا من الاختلاف المباح، فجائز للمصلي أن يقرأ في المغرب وفي الصلوات كلها بما أحب، إلا أنه إذا كان إماماً استحب له أن يخفف في القراءة كما تقدم-انتهى. واعلم أنه ذهب الجمهور إلى استحباب قراءة قصار المفصل في المغرب، حتى ذكر الترمذي عن مالك أنه كره أن يقرأ في المغرب بالسور الطوال نحو الطور والمرسلات. وقال الشافعي: لا أكره ذلك، بل أستحب أن يقرأ بهذه السور في الصلاة للمغرب، وكذا نقله البغوي في شرح السنة عن الشافعي. والمعروف عند الشافعية أنه لا كراهة في ذلك، ولا استحباب. وأما مالك فاعتمد العمل بالمدينة بل وبغيرها. قال ابن دقيق العيد: استمر العمل من الناس على التطويل في الصبح، والقصر في المغرب، والصحيح عندنا أن ما صح في ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مما لم يكثر مواظبته عليه فهو جائز من غير كراهة، وما صحت المواظبة عليه فهو في درجة الرحجان في الاستحباب- انتهى. واستدل للجمهور بحديث رافع بن خديج الذي تقدم في باب تعجيل الصلاة: أنهم كانوا ينتضلون بعد صلاة المغرب، فإنه يدل على تخفيف القراءة فيها؛ لكن ليس فيه التنصيص على القراءة بشئ من قصار المفصل. وبحديث ابن عمر قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في المغرب {قل يأيها الكافرون} و {قل هو الله أحد} ، أخرجه ابن ماجه. قال الحافظ: ومثله لابن حبان عن جابر بن سمرة. فأما حديث ابن عمر فظاهر إسناده الصحة إلا أنه معلول، قال الدارقطني: أخطأ فيه بعض رواته. وأما حديث جابر ابن سمرة ففيه سعيد بن سماك، وهو متروك، والمحفوظ أنه قرأ بهما في الركعتين بعد المغرب. وبحديث سليمان بن يسار عن أبي هريرة الآتي في الفصل الثاني، فإنه يشعر بالمواظبة على قراءة قصار المفصل في المغرب، لكن في الاستدلال به نظر. وبما روى الطحاوي وغيره عن عمر أنه كتب إلى أبي موسى: أن اقرأ في المغرب بقصار المفصل. وبما روى مالك عن الصنابحي: أنه صلى المغرب خلف أبي بكر فقرأ في الركعتين الأوليين بأم القرآن، وسورة سورة من قصار المفصل، وبما روى أبوداود عن أبي عثمان النهدى أنه صلى خلف ابن مسعود المغرب فقرأ بـ {قل هوالله أحد} . وبما روى أبوداود أيضاً عن عروة: أنه كان يقرأ في المغرب بالعاديات، ونحوها من السور. وقد ظهر بما ذكرنا أنه ليس فيما ذهب إليه