الجمهور حديث مرفوع صحيح صريح نص فيه على القراءة في المغرب بشيء من قصار المفصل، قال الحافظ: لم أرَ حديثاً مرفوعاً فيه التنصيص على القراءة فيها بشيء من قصار المفصل، إلا حديثاً في ابن ماجه عن ابن عمر نص فيه (الكافرون) و (الاخلاص) ، ومثله لابن حبان عن جابر بن سمرة- انتهى. وقد تقدم ما فيهما من الكلام عن الحافظ. وأجاب الجمهور عن الأحاديث التي تدل على تطويل القراءة في المغرب بوجوه: أحدها: أن هذا كان شيئاً فترك، قاله محمد في مؤطاه. وقال أبوداود بعد ذكر أثر عروة المتقدم. هذا يدل على أن ذاك- أى حديث زيد- منسوخ. وفيه: أن النسخ لا يثبت بالادعاء والاحتمال، بل لا بد لمن يدعى أن تطويل القراءة في المغرب كان أولاً ثم ترك، أن يأتي بالحديث الناسخ الصحيح الصريح، ولا يثبت النسخ بمجرد قول محمد ولا غيره كائناً من كان، ولم يبين أبوداود وجه الدلالة على النسخ. وكأنه لما رأى عروة راوي الخبر عمل بخلافه، حمله على أنه اطلع على ناسخه، ولا يخفى بُعد هذا الحمل، وكيف يصح دعوى النسخ وأم الفضل تقول: إن آخر صلاة صلاها بهم قرأ بـ (المرسلات) . وقال صاحب التعليق الممجد: هذا الجواب مخدوش؛ لأن مبناه على احتمال النسخ، والنسخ لا يثبت بالاحتمال، ولأن كونه متروكاً إنما يثبت لو ثبت تأخر قراءة القصار على قراءة الطوال من حيث التاريخ، وهو ليس بثابت، ولأن حديث أم الفضل صريح في أن آخر ما سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو سور المرسلات في المغرب، فحينئذٍ إن سلك مسلك النسخ يثبت نسخ قراءة القصار لا العكس. وثانيها: أنه لعله كان يقرأ بعض السورة ثم يركع، ذكره أيضاً محمد في مؤطاه. وفيه: أن إثبات التفريق في جمع ما ورد في قراءة الطوال مشكل، وأيضاً قد ورد في رواية البخاري وغيره ما يدل على أن جبير بن مطعم سمع {الطور} بتمامه قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المغرب، فلا يفيد حينئذٍ ليت ولعل. وأيضاً قد ورد: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ بسورة (الأعراف) في المغرب، فرقها في ركعتين، كما سيأتي، ومن المعلوم أن نصف {الأعراف} لا يبلغ مبلغ القصار، فلا يفيد التفريق لإثبات القصار، كذا في التعليق الممجد. وقال الحافظ: ادعى الطحاوي أنه لا دلالة في شيء من الأحاديث على تطويل القراءة، لاحتمال أن يكون المراد أنه قرأ بعض السورة، ثم استدل لذلك بما رواه من طريق هشيم عن الزهري في حديث جبير بلفظ: سمعته يقرأ {إن عذاب ربك لواقع}[٥٢: ٧] قال: فأخبر أن الذي سمعه من هذه السورة هي هذه الآية خاصة –انتهى. وليس في السياق ما يقتضي قوله:"خاصة" مع كون رواية هشيم عن الزهري بخصوصها مضعفة، ورواية البخاري في التفسير بلفظ:"سمعته يقرأ في المغرب بـ {الطور} فلما بلغ هذه الآية: {أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون}[٥٢: ٣٥] الآيات إلى قوله: {المصيطرون}[٥٢: ٣٧] كاد قلبي يطير" تبطل هذه الدعوى. وفي رواية ابن حبان والطبراني: سمعته يقرأ {والطور وكتاب مسطور} [٥٢: ١، ٢)) ومثله لابن سعد، وزاد في أخرى: فاستمعت قراءته حتى خرجت من المسجد. ثم ادعى الطحاوي أن الاحتمال المذكور يأتي في حديث زيد بن ثابت، وفيه نظر؛