فأمهم، فافتح بسورة البقرة، فانحرف رجل فسلم ثم صلى وحده وانصرف، فقالوا له: أنافقت يا فلان؟ قال: لا والله، ولآتينّ رسول الله فلأخبرنه، فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله! إنا أصحاب النوازح، نعمل بالنهار، وإنما معاذاً صلى معك العشاء، ثم أتى قومه، فافتتح بسورة البقرة، فأقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على معاذ، فقال: يا معاذ! أفتان أنت؟ اقرأ {والشمس وضحاها} ،
ــ
أي بني سلمة، بكسر اللام. (فأمهم) أي في العشاء. (فافتح بسورة البقرة) أي بعد الفاتحة. وفي رواية للبخاري: فصلى العشاء، فقرأ بالبقرة. قال الحافظ: كذا في معظم الروايات، ووقع في رواية لأبي عوانة والطحاوي من طريق محارب: صلى بأصحابه المغرب، فإن حمل على تعدد القصة، أو على أن المراد بالمغرب العشاء مجازاً وإلا فما في الصحيح أصح-انتهى. (فانحرف رجل) أي مال عن الصف فخرج منه، أو انحراف من صلاته عن القبلة. والرجل هو حزم بن أبي بن كعب، كما في رواية أبي داود الطيالسي في مسنده. وقيل: سليم، كما في رواية لأحمد. وجمع بعضهم بين هذا الاختلاف بأنهما واقعتان، لكن وقوع هذه القضية مرتين بعيد كما لا يخفى، إلا أن يقال يحتمل أنه وقع من معاذ مرتين، ثم رفع الواقعتان إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - مرة. ووقع في رواية لمسلم: فانطلق رجل منا. وهذا يدل على أنه كان من بني سلمة، ويقوي رواية من سماه سليماً. (فسلم) أي قطع صلاته. قال النووي: قوله: "سلم" دليل على أنه قطع الصلاة من أصلها، ثم أستأنفها، فيدل على جواز قطع الصلاة وإبطالها لعذر. (ثم صلى وحده) أي استأنف الصلاة منفرداً؛ لأنه لم يعلم أنه لو فارق بالنية وانفرد وأتم بلا استئناف لجاز فيه ذلك، ذكره ابن الملك. (وانصرف) أي خرج من المسجد. (فقالوا) أي أصحاب معاذ. (أنافقت يا فلان؟) أي أفعلت ما يفعله المنافق من الميل والانحراف عن الجماعة، والتخفيف في الصلاة؟ قالوه تشديداً له، قاله الطيبي. (قال: لا والله، ولآتين) هو إما معطوف على الجواب، أي والله لا أنافق، ولآتين، وإما إنشاء قسم آخر والمقسم به مقدر. (إنا أصحاب نواضح) جمع ناضحة أنثى ناضح، وهو- بالنون والضاد المعجمة والحاء المهملة- ما استعمل من الإبل في سقى النخل والزرع. (نعمل بالنهار) أي نكد فيه بعمل الزراعة لأجل أمر المعاش. (فافتح بسورة البقرة) يحتمل أنه أراد معاذ أن يقرأ بعضها ويركع، فتوهم المقتدي أنه أراد إتمامها فقطع صلاته، فعاتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على إبهامه ذلك، فإنه سبب للتنفير، قاله القاري. (فقال: يا معاذ!) خطاب عتاب. (أفتان) أي منفر عن الدين، وصاد عنه، وموقع للناس في الفتنة. قال الحافظ: معنى الفتنة ههنا أن التطويل يكون سبباً لخروجهم من الصلاة، وللنكرة للصلاة في الجماعة. وقال الداودي: يحتمل أن يريد بقوله: "فتان" أي معذب؛ لأنه عذبهم بالتطويل. ومنه قوله تعالى:{إن الذين فتنوا المؤمنين}[٨٥: ١٠] قيل: معناه عذبوهم. (اقرأ والشمس وضحاها) الخ. أي