للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لأنه لم يذكر الصحابي الذي سمعه منه هذا القول ولا حرج. ففيه: أنه لا نسلم أن الزهري سمع هذا القول ممن شهد هذه القصة قطعاً، فإنه يحتمل أن يكون سمع ذلك من تابعي، ولا يدري أن التابعي الذي سمعه منه ثقة أو ضعيف، مقبول أو مردود. وأيضاً قد تقدم أن هذا القول كذب لاختلاف الصحابة في ذلك. ولو صرفنا النظر عن جميع ذلك فلا شك أنه مرسل، ومرسل الزهري كالريح ليس بشيء. قال الذهبي في التذكرة (ج١:ص٩٨) : قال قدامة السرجسي: قال يحيى بن سعيد: مرسل الزهري شر من مرسل غيره، لأنه حافظ، وكلما قدر أن يسمي سمى، وإنما يترك من لا يستجيز أن يسمى. وقال ابن أبي حاتم في "كتاب المراسيل" (ص٢) : حدثنا أحمد بن سنان قال: كان يحيى بن سعيد القطان لا يرى إرسال الزهري وقتادة شيئاً، ويقول هو بمنزلة الريح. وقال السيوطي في التدريب (ص٧٠) : مراسيل الزهري قال ابن معين ويحيى بن سعيد القطان: ليس بشئ. وكذا قال الشافعي، قال: لأنا نجده يروي عن سليمان بن الأرقم. وروى البيهقي عن يحيى بن سعيد قال: مرسل الزهري شر من مرسل غيره، لأنه حافظ كلما قدر أن يسمي سمى، وإنما يترك من لا يستحب أن يسميه-انتهى. واستدلال المالكية بقوله - صلى الله عليه وسلم - "مالي أنازع القرآن" على منع القراءة خلف الإمام إذا جهر الإمام بالقراءة. وفي الاستدلال به على هذا المطلوب نظر ظاهر، لأنه لا يدل على منع القراءة خلف الإمام المتنازع فيها، وهي القراءة في النفس وبالسر بحيث لا يفضي إلى المنازعة بقراءة الإمام، نعم يدل على منع القراءة بالجهر خلفه، وهي ممنوعة بالاتفاق. قال القرطبي: والمعنى في حديث. (أى حديث أبي هريرة هذا) : لا تجهروا إذا جهرت، فإن ذلك تجاذب وتخالج، اقرؤوا في أنفسكم. بينه حديث عبادة. وأفتى الفاروق برأي أبي هريرة الراوي الحديثين، فلو فهم المعنى جملة من قوله لما أفتى بخلافه-انتهى. وقال ابن عبد البر في التمهيد: لا تكون المنازعة إلا فيما جهر فيه المأموم وراء الإمام. ويدل على ذلك قول أبي هريرة: اقرأ بها في نفسك يا فارسي. وقال الشيخ عبد الحي اللكنوي في غيث الغمام (ص٣٠) : غاية ما فيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: مالي أنازع القرآن. فهو إن دل على النهي، فإنما يدل على نهي القراءة المفضية إلى المنازعة في الجهرية-انتهى. وقال الشوكاني في النيل: استدل به القائلون بأنه لا يقرأ المؤتم خلف الإمام في الجهرية، وهو خارج عن محل النزاع لأن محل النزاع هو القراءة خلف الإمام سراً، والمنازعة إنما تكون مع جهر المؤتم لا مع إسراره. وقد حاول بعض الحنفية الاستدلال بقوله "مالي أنازع القرآن" على ترك القراءة خلف الإمام بالسر وفي السرية، قائلاً بأن المنازعة مع الإمام في القراءة تتحقق مع قراءة المأموم بالسر وفي الصلاة السرية أيضاً، لأن معنى المنازعة: هو أن يشارك المأموم الإمام في القراءة ويشتغل بالقراءة حال قراءة الإمام ولا يترك الإمام أن ينفرد بالقراءة. وفيه: أن الاستدلال به على ذلك باطل لأنه لو كان معنى المنازعة ما بيّنه هذا البعض لما كان يقرأ الصحابة خلف الإمام سراً في الصلوات السرية كما يدل عليه قول الزهري وهو في حكم المرفوع عند الحنفية. وقد تقدمت رواية البيهقي والبخاري بلفظ: فانتهى الناس عن القراءة فيما جهر فيه الإمام، وقرؤوا في أنفسهم سراً فيما لا يجهر فيه الإمام. ويبطله أيضاً فيه حديث عبادة عند أبي داود والدارقطني بلفظ: وأنا أقول: مالي أنازع القرآن فلا يقرأنّ أحد منكم شيئاً من القرآن إذا جهرت

<<  <  ج: ص:  >  >>