حين سمعوا ذلك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -)) .
ــ
الموصولة. قال القاري مفهومه: أنهم كانوا يسرون بالقراءة فيما كان يخفى فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو مذهب الأكثر، وعليه الإمام محمد من أئمتنا. (حين سمعوا ذلك) أي ما ذكر من التثريب واللوم. زاد البخاري والبيهقي في جزء القراءة لهما: وقرؤوا في أنفسهم سراً فيما لا يجهر فيه الإمام. واعلم أن قوله: فانتهى الناس، الخ. ليس من رواية أبي هريرة في الحديث بل هو مدرج من قول الزهري، وقد بين ذلك أبوداود في سننه، قال: ورواه عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري. وانتهى حديثه إلى قوله" ما لي أنازع القرآن". ورواه الأوزاعي عن الزهري، قال فيه: قال الزهري: فاتعظ المسلمون بذلك، فلم يكونوا يقرؤون معه فيمه يجهر به. قال أبوداود: وسمعت محمد بن يحيى بن فارس قال: قوله: "فانتهي الناس" من كلام الزهري. وقال البيهقي في معرفة السنن: قوله "فانتهي الناس عن القراءة" من قول الزهري. قاله محمد بن يحيى الذهلي صاحب الزهريات، ومحمد بن إسماعيل البخاري، وأبوداود، استدلوا على ذلك برواية الأوزاعي حين ميزه من الحديث، وجعله من قول الزهري. وكيف يصح ذلك عن أبي هريرة وأبوهريرة يأمر بالقراءة خلف الإمام فيما جهر به وفيما خافت-انتهى. وقال في جزء القراءة: رواية ابن عيينة عن معمر دالة على كونه من قول الزهري. وكذلك انتهاء الليث بن سعد وهو من الحفاظ الأثبات الفقهاء مع ابن جريج برواية الحديث من الزهري إلى قوله "مالي أنازع القرآن" دليل على أن ما بعده ليس في الحديث، وأنه من قول الزهري، ففصل كلام الزهري من الحديث بفصل ظاهر. وقال الحافظ في التلخيص: قوله "فانتهى الناس" إلى آخره، مدرج في الخبر من كلام الزهري، بيّنه الخطيب، واتفق عليه البخاري في التاريخ، وأبوداود ويعقوب بن سفيان والذهلي والخطابي، وغيرهم-انتهى. وانظر السنن الكبرى للبيهقي (ج٢: ص١٥٧-١٥٩) وإذا ثبت أن قوله "فانتهى الناس"الخ. من كلام الزهري التابعي فلا يصح الاستدلال به لأن قول التابعي ليس بحجة بالاتفاق. علا أنه إن كان المراد بقوله: فانتهى الناس، الخ. أن جميع الصحابة تركوا القراءة خلفه في الصلوات الجهرية فهو كذب محض، لأن الصحابة اختلفوا في ذلك، وقد ذهب أكثرهم إلى قراءة الفاتحة خلف الإمام في جميع الصلوات الجهرية والسرية وجوباً أو ندباً، وإن كان المراد فانتهى الناس أي الذين حضروا هذه الصلاة معه - صلى الله عليه وسلم - لا جميع الصحابة، فهو أيضاً ليس بصحيح، لأن أباهريرة قد شهد هذه الصلاة والقصة، وهو لم يترك قراءة الفاتحة خلف الإمام، بل كان يفتى بها في جميع الصلوات سرية كانت أو جهرية. ولو سلم أن قول الزهري هذا صحيح، وأن قول التابعي حجة، فلا يثبت به ما ذهب إليه الحنفية من كراهة قراءة الفاتحة خلف الإمام في جميع الصلوات، ومنعها مطلقاً، بل قول الزهري هذا يبطل دعواهم، لأنه يدل على أنهم كانوا يقرؤن سراً فيما لا يجهر فيه الإمام كما تقدم. وأما ما قيل: من أن قوله "فانتهي الناس"الخ. ليس مما قاله الزهري من عند نفسه لأنه لم يشهد هذه القصة، والظاهر بل المتعين أن هذا قول بعض الصحابة الذين حضروا هذه الصلاة وسمعوا قوله - صلى الله عليه وسلم -: مالي أنازع القرآن، وقد علم هذا الصحابي ترك قراءتهم خلفه في الجهرية بإطلاعهم إياه على ذلك فلا محالة من أن يقال أنه سمع الزهري هذا الكلام من هذا الصحابي، ومن المعلوم أن مثل هذا الكلام من الصحابي يكون في حكم المرفوع، فيكون قول الزهري هذا أيضاً مرفوعاً حكماً غاية ما فيه أنه مرسل