٨٨٠- (٦) وعن ابن عباس، قال:((قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ألا إني نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً، فأما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم))
ــ
الروح من الملائكة، وهو ملك عظيم يكون إذا وقف كجميع الملائكة. وقيل المراد به "جبريل" لقوله تعالى: {يوم يقوم الروح والملائكة صفاً}[٧٨: ٣٨] ، وقوله تعالى:{نزل به الروح الأمين}[٢٦: ١٩٣] وقوله تعالى: {تنزل الملائكة والروح فيها}[٩٧: ٤] وغير ذلك، خص بالذكر تفضيلا. (رواه مسلم) وأخرجه أيضاً أبوداود والنسائي.
٨٨٠- قوله:(ألا) كلمة تنبيه. (إني نهيت) بضم النون وكسر الهاء على بناء المجهول. (أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً) أي عن قراءة القرآن في هاتين الحالتين. والنهي له - صلى الله عليه وسلم - نهي لأمته كما يشعر بذلك قوله في الحديث "فأما الركوع" الخ. قال الطيبي: أمره إياهم بالتعظيم للرب في الركوع، وبالدعاء في السجود، يدل على أن النهي عن القراءة ليس مخصوصاً به عليه السلام، بل الأمة داخلون معه فيه. قلت: ويشعر به أيضاً ما في صحيح مسلم وغيره أن علياً قال: نهاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً. وهذا النهي يدل على تحريم قراءة القرآن في الركوع والسجود؛ لأن الأصل في النهي التحريم. وفي بطلان الصلاة بالقراءة حال الركوع والسجود خلاف. وحكمة النهي أن الركوع والسجود حالان دالان على غاية الذل والخضوع، ويناسبهما الدعاء والتسبيح، فنهي عن القراءة فيهما تعظيماً للقرآن الكريم؛ لأن كلام الله لكونه في غاية العظمة والجلالة لا يناسب قراءته في حالة الذلة والاستكانة، والله اعلم. (فأما الركوع) كأنه قيل: فماذا نقول فيهما؟ فقال: فأما الركوع. (فعظموا فيه الرب) أي سبحوه، ونزهوه، ومجدوه، وقد بين - صلى الله عليه وسلم - كيفية هذا التعظيم، واللفظ الذي يقع به هذا التعظيم في حديثي عائشة قبل هذا، وفي أحاديث عقبة بن عامر، وابن مسعود، وحذيفة، وعوف بن مالك الآتية في هذا الباب، وفي حديث أبي هريرة، وعائشة في باب السجود وفضله. (وأما السجود فاجتهدوا) أي بالغوا. (في الدعاء) قال السندي: قوله: "فعظموا فيه الرب" أي اللائق به في تعظيم الرب، فهو أولى من الدعاء، وإن كان الدعاء جائزاً أيضاً، فلا ينافي أنه كان يقول في ركوعه: اللهم اغفرلي، وقوله فاجتهدوا في الدعاء، أي أنه محل لاجتهاد الدعاء، وأن الاجتهاد فيه جائز بلا ترك أولوية، وكذلك التسبيح فإنه محل له أيضاً- انتهى. والحديث دليل على مشروعية الدعاء حال السجود بأي دعاء كان من طلب خير الدنيا والآخرة، والاستعاذة من شرهما. وقد بين بعض الأدعية ما أفاده حديث عائشة السابق. (فقمن) هو بفتح القاف وفتح الميم وكسرها، لغتان مشهورتان، فمن فتح فهو عنده مصدره لا يؤنث، ولا يثنى، ولا يجمع، ومن كسر فهو وصف يؤنث ويثنى ويجمع، وفيه لغة ثالثة "قمين" – بزيادة الياء وفتح القاف وكسر الميم – وهو مثل القمن – بكسر الميم – في كونه وصفاً، ومعناه: جدير وحقيق. (أن يستجاب لكم) ؛