وأعطاني نعليه، فقال: اذهب بنعلي هاتين فمن لقيك من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه فبشره بالجنة، فكان أول من لقيت عمر فقال: ما هاتان النعلان يا أباهريرة؟ قلت: هاتان نعلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعثني بهما من لقيت يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه بشرته بالجنة، فضرب عمر بين ثدي فخررت لإستي
ــ
القاري. (وأعطاني نعليه) الجملة حال (فقال) تأكيد للأول (اذهب بنعلي هاتين) قال الطيبي: لعل فائدة النعلين أن يبلغ مع الشاهد فيصدقوه وإن كان خبره مقبولاً بغير هذا، وتخصيصهما بالإرسال إما لأنه لم يكن عنده غيرهما، وإما للإشارة إلى أن بعثته وقدومه لم يكن إلا تبشيراً وتسهيلاً على الأمة رافعاً للآصار التي كانت في الأمم السالفة، وإما للإشارة إلى الثبات بالقدم والاستقامة بعد الإقرار لقوله – عليه الصلاة والسلام -: ((قل آمنت بالله ثم استقم)) – انتهى. وقال النووي: أما إعطاءه النعلين فلتكون علامة ظاهرة معلومة عندهم يعرفون بها أنه لقي النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويكون أوقع في نفوسهم لما يخبرهم به عنه - صلى الله عليه وسلم -، ولا ينكر كون مثل هذا يفيد تأكيداً وإن كان خبره مقبولاً بغير هذا (مستيقناً بها) أي بمضمون هذه الكلمة (فبشره بالجنة) معناه أخبر أن من كانت هذه صفته فهو من أهل الجنة وإلا فأبوهريرة لا يعلم استيقان قلوبهم، وفي هذا دلالة ظاهرة لمذهب أهل الحق أن اعتقاد التوحيد لا ينفع دون النطق عند القدرة، ولا النطق دون الاعتقاد بالإجماع، بل لا بد منهما، وذكر القلب هنا للتأكيد ونفي توهم المجاز، وإلا فالاستيقان لا يكون إلا بالقلب (فكان أول من لقيت عمر) منصوب على أنه خبر كان، وقيل: مرفوع على الاسمية وأول بالعكس، قيل: وهو أولى لأنه وصف وهو بالخبرية أحرى (بعثني بهما من لقيت) بصيغة المتكلم أي بعثني بهما حال كوني قائلاً أو مبلغاً أو مأموراً بأن من لقيت يشهد ... الخ (فضرب عمر بين ثديي) تثنية يدي بفتح الثاء، هو مذكر، وقد يؤنث في لغة قليلة، أي في صدري، قال القاري: لابد هنا من تقدير يدل عليه السياق من السباق واللحاق، يعني فقال عمر: ارجع قصداً للمراجعة بناءً على رأيه الموافق للصواب، فأبيت وامتنعت عن حكمه امتثالاً لظاهر أمره – عليه السلام – المقدم على أمر كل آمر، فضرب عمر بيده في صدري، فإنه يبعد كل البعد ضربه ابتداءً من غير باعث – انتهى. (فخررت) بفتح الراء (لأستي) بهمزة وصل، وهو اسم من أسماء الدبر، أي سقطت على مقعدي من شدة ضربه لي، قال النووي: أما دفع عمر – رضي الله عنه – فلم يقصد به سقوطه وإيذاءه، بل قصد رده عما هو عليه وضرب بيده في صدره ليكون أبلغ في زجره، قال القاضي عياض وغيره من العلماء: وليس فعل عمر ومراجعته النبي - صلى الله عليه وسلم - اعتراضاً عليه ورداً لأمره، إذ ليس فيما بعث به أباهريرة غير تطييب قلوب الأمة وبشراًهم، فرأى عمر أن كتم هذا عنهم أصلح لهم وأحرى أن لا يتكلوا، وأنه أعود عليهم بالخير من معجل هذه البشرى، فلما عرضه على