فقال: ارجع يا أباهريرة، فرجعت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأجهشت بالبكاء، وركبني عمر وإذا هو على أثري، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما لك يا أباهريرة؟ قلت: لقيت عمر فأخبرته بالذي بعثتني به، فضرب بين ثديي ضربة خررت لإستي فقال: ارجع، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يا عمر ما حملك على ما فعلت؟ قال: يا رسول الله بأبي أنت وأمي أبعثت أباهريرة بنعليك من لقي يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه بشره بالجنة؟ قال: نعم، قال: فلا تفعل، فإني أخشى أن يتكل الناس عليها، فخلهم يعملون، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فخلهم)) رواه مسلم.
٤٠- (٣٩) وعن معاذ بن جبل قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مفاتيح الجنة شهادة أن لا إله إلا الله
ــ
النبي - صلى الله عليه وسلم - صوبه فيه - انتهى. (فأجهشت بالبكاء) من الإجهاش، وروي جهشت - بكسر الهاء وغير همز - وهما صحيحان، وكلاهما بصيغة الفاعل، والجهش كالإجهاش أن يفزع الإنسان إلى إنسان ويلجأ إليه وهو متغير الوجه متهيء للبكاء ولما يبك بعد، كما يفزع الصبي إلى أمه (وركبني عمر) أي تبعني ومشى خلفي في الحال بلا مهلة، قاله النووي، وقال القاري: أي أثقلني عدو عمر من بعيد خوفاً واستشعاراً منه، كما يقال: ركبته الديون أي أثقلته يعني تبعني عمر (على أثري) فيه لغتان فصيحتان مشهورتان: فتحهما وهو الأصح، وكسر الهمزة وسكون الثاء أي عقبي (بأبي أنت وأمي) الباء متعلقة بمحذوف، قيل: هو اسم تقديره أنت مفدى بأبي، وقيل: فعل أي فديتك بأبي، وحذف هذا المقدر تخفيفاً لكثرة الاستعمال وعلم المخاطب به (بشره بالجنة) بصيغة الماضي أي من لقيه بشره بالجنة (يتكل الناس عليها) أي على هذه البشارة الإجمالية (فخلهم) أي اتركهم بغير البشارة (يعملون) حال، فإن العوام إذا بشروا يتركون الاجتهاد في العمل بخلاف الخواص فإنهم إذا بشروا يزيدون في العمل (رواه مسلم) كان المناسب لدأبه أن يقول: روى الأحاديث الأربعة مسلم.
٤٠- قوله:(مفاتيح الجنة شهادة أن لا إله إلا الله) أي وأن محمداً رسول الله، قال الزين بن المنير: قول لا إله إلا الله لقب جرى على النطق بالشهادتين شرعاً - انتهى. قال الطيبي: مفاتيح الجنة مبتدأ، وشهادة خبره، وليس بينهما مطابقة من حيث الجمع والإفراد، فهو من قبيل قول الشاعر: ومعي جياعاً. جعل الناقة الضامرة من الجوع كأن كل جزء من معاها معي واحد من شدة الجوع، وكذا جعلت الشهادة المستتبعة للأعمال الصالحة التي هي كأسنان المفاتيح كل جزء منها منْزلة مفتاح واحد - انتهى. قال القاري: والأظهر أن المراد بالشهادة الجنس، فشهادة كل أحد مفتاح لدخوله الجنة إما ابتداءً أو انتهاءً، والأعمال إنما هي لرفع الدرجات، أو لأن الشهادة لما كانت مفتاح أبواب