٨٩٩- (٦) وعن أبي هريرة، قال: ((كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول في سجوده: اللهم اغفر لي ذنبي كله، دقة وجله،
ــ
في ذلك أن يظهر كل عضو بنفسه، ويتميز حتى يكون الإنسان الواحد في سجوده كأنه عدد، ومقتضى هذا أن يستقبل كل عضو بنفسه، ولا يعتمد بعض الأعضاء على بعض في سجوده، وهذا ضد ما ورد في الصفوف من التصاق بعضهم ببعض؛ لأن المقصود هناك إظهار اتحاد المسلمين، حتى كأنهم جسد واحد، وأخرج الطبراني وغيره من حديث ابن عمر بإسناد صحيح: أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: لا تفترش افتراش السبع، وادعم على راحتيك، وابد ضبعيك، فإذا فعلت ذلك سجد كل عضو منك. وظاهر هذا مع حديث ابن بحينة، وما تقدم من حديث ميمونة، والبراء، وأنس وما في معناه من الأحاديث الدالة على التفريج والتخوية، والنهي عن افتراش السبع، يقتضي وجوب التفريج في السجود، ولكن حمل العلماء هذه الأحاديث على الاستحباب. قلت: الظاهر أن التفريج في السجود واجب عند عدم المشقة فيه، وأما عند وجود المشقة فيه فيجوز ترك التفريج والاستعانة بالركب، أي وضع المرفقين على الركبتين، يدل على ذلك ما قدمنا من حديث أبي هريرة: اشتكى أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - مشقة السجود عليهم إذا تفرجوا، فقال: استعينوا بالركب. واستدل بقوله:"حتى يرى بياض إبطيه" على أنه لم يكن - صلى الله عليه وسلم - لابساً لقميص. وتعقب باحتمال أن يكون القميص واسع الأكمام، وقيل: قد يبدو منه أطراف إبطيه مع كونه لابساً للقميص؛ لأنها كانت قمصان أهل ذلك العصر غير طويلة، فيمكن أن يرى الإبط من كمها. واستدل به أيضاً على أنه لم يكن على إبطيه شعر، وفيه نظر؛ لأنه يمكن أن المراد يرى أطراف إبطيه لا باطنهما حيث الشعر، فإنه لا يرى إلا بتكلف. وأيضاً لا يلزم من ذكر الراوي رؤية بياض إبطيه أن لا يكون له شعر، فإنه إذا نتف بقي المكان أبيض، وإن بقى فيه آثار الشعر، ولذلك ورد في حديث حسنه الترمذي: كنت أنظر إلى عفرتي إبطيه إذا سجد، والعفرة بياض ليس بالناصع كلون عفرة الأرض، أي وجهها، وهو يدل على أن آثار الشعر هو الذي جعل المحل أعفر، إذ لو خلا عنه جملة لم يكن أعفر. وإن صح ما قيل: إن من خصائصه أنه ليس على إبطيه شعر، فلا إشكال، لكن قال العراقي في تقريب الأسانيد: إن ذلك لم يثبت، بل لم يرد في كتاب معتمد، والخصائص لا تثبت بالاحتمال، نعم إن الذي نعتقد فيه - عليه السلام - أنه لم يكن لإبطيه رائحة كريهة، بل كان نظيفاً طيب الرائحة. (متفق عليه) وأخرجه أيضاً النسائي.
٨٩٩- قوله:(كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول في سجوده) أي أحياناً مع التسبيح أو بدونه. (كله) للتأكيد، وما بعده تفصيل لأنواعه، أو بيانه، ويمكن نصبه بتقدير "أعني". (دقه) بكسر الدال، أي دقيقة وصغيرة. (وجله) بكسر الجيم وقد تضم، أي جليلة وكبيرة. قيل: إنما قدم "الدق" على "الجل"؛ لأن السائل يتصاعد في مسألته، أي يترقى، ولأن الكبائر تنشأ غالباً من الإصرار على الصغائر، وعدم المبالاة بها، فكأنها وسائل إلى الكبائر، ومن حق الوسيلة أن تقدم إثباتاً ورفعاً.