عن نجاة هذا الأمر , قال أبوبكر: قد سألته عن ذلك، فقمت إليه وقلت له: بأبي أنت وأمي أنت أحق بها، قال أبوبكر: قلت يا رسول الله ما نجاة هذا الأمر؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من قبل مني الكلمة التي عرضت على عمي فردها فهي له نجاة،
ــ
أي قبض روحه (عن نجاة هذا الأمر) بفتح النون مصدر بمعنى الخلاص. قال الطيبي: يجوز أن يراد بالأمر ما عليه المؤمنون من الدين، أي نسأله عما نتخلص به من النار، وهو مختص بهذا الدين، وأن يراد ما عليه الناس من غرور الشيطان وحب الدنيا والتهالك فيها والركون إلى شهواتها وركوب المعاصي وتبعاتها، أي نسأله عن نجاة هذا الأمر الهائل - انتهى. كلام الطيبي. وتعقبه الشيخ عبد الحق الدهلوي في أشعة اللمعات بما محصله: أن في الوجه الأول نظراً فإن عثمان قد روى هو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة، فكيف يقول: إنه توفي - صلى الله عليه وسلم - قبل أن نسأله عما نتخلص به من النار في الدين؟ ومن البعيد كل البعد أن يخفى على عثمان هذا العلم الذي هو من أول فرائض دين الإسلام، اللهم إلا أن يقال: إنه نسيه من شدة الحزن وذهل عنه من عظم المصيبة، والظاهر بل الصواب أنه أراد بقوله من نجاة هذا الأمر: النجاة من وسوسة الشيطان وحديثه كما يشير إليه سياق الحديث وسباقه، ورواية محمد بن جبير في هذه القصة صريحة في ذلك، وقد أخرج أبويعلى في مسنده عن محمد بن جبير أن عمر مر على عثمان وهو جالس في المسجد، فسلم عليه فلم يرد عليه، فدخل على أبي بكر فاشتكى ذلك إليه فقال: مررت على عثمان فسلمت عليه فلم يرد عليّ، فقال: أين هو؟ قال: هو في المسجد قاعد، فانطلقا إليه فقال له أبوبكر - رضي الله عنه -: ما منعك أن ترد على أخيك حين سلم عليك؟ قال: والله ما شعرت أنه مر بي وأنا أحدث نفسي ولم أشعر أنه سلم، فقال أبوبكر: فماذا تحدث نفسك؟ قال: خلا بي الشيطان فجعل يلقي في نفسي أشياء ما أحب أني تكلمت بها وأن لي ما على الأرض، قلت في نفسي حين ألقى الشيطان ذلك في نفسي: يا ليتني سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما الذي ينجينا من هذا الحديث الذي يلقي الشيطان في أنفسنا، فقال أبوبكر: فإني والله لقد اشتكيت ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسألته ما الذي ينجينا من هذا الحديث الذي يلقي الشيطان في أنفسنا؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ينجيكم من ذلك أن تقولوا مثل الذي أمرت به عمي عند الموت فلم يفعل)) ، قال البوصيري في الزوائد العشرة: سنده حسن كذا في جمع الجوامع للسيوطي - انتهى. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (ج١: ص٨) بعد ذكره: رواه أبويعلى، وعند أحمد طرف منه وفي إسناده أبوالحويرث عبد الرحمن بن معاوية، وثقه ابن حبان والأكثر على تضعيفه - انتهى. (أنت أحق بها) أي بالمسألة والسبق بها والبحث عنها فإنك إلى كل خير أسبق (من قبل مني) أي بطوع ورغبة من غير نفاق وريبة (على عمي) أبي طالب (فهي) أي فهذه الكلمة وهي كلمة الشهادة (له نجاة) إما في بداية أو نهاية. قال الطيبي: كأنه - صلى الله عليه وسلم - يقول: النجاة في الكلمة التي عرضتها على مثل أبي طالب، وهو الذي عاش في الكفر سنين ونيف على السبعين، ولم يصدر عنه