٩٠٨- (١٥) وعن حذيفة، ((أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول بين السجدتين: رب اغفرلي)) .
ــ
الطاعة، أو درجة عالية في الآخرة. والحديث دليل على مشروعية الدعاء بهذه الكلمات في القعود بين السجدتين، وهو يعم الفرائض والنوافل. قال الترمذي بعد رواية الحديث: وهكذا روي عن علي، وبه يقول الشافعي، وأحمد، وإسحاق، يرون هذا جائزاً في المكتوبة والتطوع- انتهى. وحمله الحنفية على التطوع خاصة لما قيده ابن ماجه في روايته بصلاة الليل. وفيه: أن التقييد بصلاة الليل لا يدل على أن هذا الدعاء مخصوص بصلاة التطوع كما في دعاء الاستفتاح الذي اختاره الحنفية للفرض مع أن الترمذي وأباداود قد رويا عن أبي سعيد الخدري: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قام من الليل كبر، ثم يقول: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك- الحديث. فعمم الحنفية هذا الدعاء للفرائض والنوافل مع كونه مقيداً بصلاة الليل في الحديث المذكور. (رواه أبوداود، والترمذي) إلا أنه قال فيه "واجبرني" مكان "عافني". قيل: هو من "جبرت الوهن والكسر" إذا صلحته و"جبرت المصيبة" إذا فعلت مع صاحبها ما ينساها به. وقال الجزري: واجبرني أي أغنني، من "جبر الله مصيبته"، أي رد عليه ما ذهب عنه، أو عوضه عنه. وأصله من " جبر الكسر". والحديث أخرجه أيضاً ابن ماجه، وزاد "وارفعني" ولم يقل "اهدني" ولا "عافني" وأخرجه الحاكم في المستدرك بإسنادين: الأول بلفظ أبي داود، والثاني جمع فيه هذه الألفاظ كلها إلا أنه لم يقل "وعافني". وهذا الاختلاف محمول على أن بعض الرواة حفظ ما لم يحفظه الآخر، والحديث سكت عنه أبوداود، وصححه الحاكم في الموضعين، ووافقه الذهبي. ونقل الحافظ في بلوغ المرام تصحيح الحاكم، وأقره، ولم ينكر عليه، قلت: في سنده أبوالعلاء كامل بن العلاء السعدي، يروي عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، وكامل هذا وثقة يحيى بن معين، وقال ابن عدي: لم أر للمتقدمين فيه كلاماً، وفي بعض رواياته أشياء أنكرتها، ومع هذا أرجو أنه لا بأس به. وقال النسائي: ليس بالقوي. وقال مرة: ليس به بأس. وقال الحافظ في التقريب: صدوق يخطىء، وحبيب بن أبي ثابت ثقة فقيه جليل، لكنه كثير الإرسال والتدليس، وقد روى عند الجميع بالعنعنة، قال في الزوائد: رجاله ثقات، إلا أن حبيب بن أبي ثابت كان يدلس، وقد عنعنة، وأصله في أبي داود، والترمذي- انتهى.
٩٠٨- قوله:(كان يقول بين السجدتين: رب اغفرلي) أي مكرراً. قال ابن قدامة في المغني: المستحب عند أبي عبد الله أي أحمد، أن يقول بين السجدتين: رب اغفرلي، رب اغفرلي، يكرر ذلك مراراً، والواجب منه مرة، وأدنى الكمال ثلاث، الخ. والحديث يدل على مشروعية طلب المغفرة في الاعتدال بين السجدتين، ولا يختص ذلك بالتطوع كما قيل، بل يعم الفريضة والتطوع، ويحمل هذا الحديث مع حديث ابن عباس السابق على اختلافات الأوقات،