كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.
ــ
أصحابنا على أنه لا يجزئ أن يقتصر على الخبر كأن يقول: الصلاة على محمد، إذ ليس فيه إسناد الصلاة إلى الله تعالى، واختلفوا في تعين لفظ محمد، لكن جوزوا الاكتفاء بالوصف دون الاسم، كالنبي، ورسول الله؛ لأن لفظ "محمد" وقع التعبد به، فلا يجزئ عنه إلا ما كان أعلى منه. وذهب الجمهور إلى الاجتراء بكل لفظ أدى المراد بالصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم -، وعمدتهم في ذلك أن الوجوب ثبت بنص القرآن بقوله تعالى:{صلوا عليه وسلموا تسليماً}[٣٣: ٥٦] . فلما سأل الصحابة عن الكيفية وعلمها لهم النبي - صلى الله عليه وسلم -، واختلف النقل لتلك الألفاظ اقتصر على ما اتفقت عليه الروايات، وترك ما زاد على ذلك كما في التشهد، إذ لو كان المتروك واجباً لما سكت عنه. وقد استشكل ذلك ابن الفركاح في الاقليد فقال: جعلهم هذا هو الأقل، يحتاج إلى دليل على الاكتفاء بمسمى الصلاة، فإن الأحاديث الصحيحة ليس فيها الاقتصار والأحاديث التي فيها الأمر بمطلق الصلاة ليس فيها ما يشير إلى ما يجب من ذلك في الصلاة، وأقل ما وقع في الروايات: اللهم صل على محمد كما صليت على إبراهيم، ومن ثم حكى الفوراني عن صاحب الفروع في إبحاب ذكر إبراهيم وجهين، واحتج لمن لم يوجبه بأنه ورد بدون ذكره في حديث زيد بن خارجة عند النسائي بسند قوي، ولفظه:"صلوا عليّ، وقولوا: اللهم صل على محمد وآل محمد"، وفيه نظر؛ لأنه من اختصار بعض الرواة، فإن النسائي أخرجه من هذا الوجه بتمامه، وكذا الطحاوي. واختلف في إبحاب الصلاة على الآل، ففي تعيينها أيضاً عند الشافعية والحنابلة روايتان، والمشهور عندهم لا، وهو قول الجمهور، وادعى كثير منهم فيه الإجماع. ونقل البيهقي في الشعب عن أبي إسحاق المروزي، وهو من كبار الشافعية، قال: أنا اعتقد وجوبها. قال البيهقي: وفي الأحاديث الثابتة دلالة على صحة ما قال-انتهى كلام الحافظ. وقال الأمير اليماني في شرح حديث أبي مسعود البدري عند مالك وأحمد ومسلم وغيرهم: الحديث يقتضى أيضاً وجوب الصلاة على الآل، ولا عذر لمن قال بوجوب الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - مستدلاً بهذا الحديث من القول بوجوبها على الآل، إذ المأمور به واحد، ودعوى النووي وغيره الإجماع على أن الصلاة على الآل مندوبة غير مسلمة، بل نقول: الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - لا تتم، ولا يكون العبد ممتثلاً بها، حتى يأتي بهذا اللفظ النبوي الذي فيه ذكر الآل؛ لأنه قال السائل: كيف نصلي عليك؟ فأجابه بالكيفية أنها الصلاة عليه وعلى آله، فمن لم يأت بالآل فما صلى بالكيفية التي أمر بها، فلا يكون ممتثلاً للأمر، فلا يكون مصلياً عليه - صلى الله عليه وسلم -، وكذلك بقية الحديث من قوله: كما صليت، إلى آخره يجب، إذ هو من الكيفية المأمور بها، ومن فرق بين ألفاظ هذه الكيفية بإيجاب بعضها وندب بعضها فلا دليل له على ذلك- انتهى. وقال الشوكاني في تحفة الذاكرين بعد ذكر حديث أبي مسعود البدري: فيه تقييد الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - بالصلاة فيفيد ذلك أن هذه الألفاظ المروية مختصة بالصلاة، وأما خارج الصلاة فيحصل الامتثال بما يفيده قوله سبحانه وتعالى:{يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً}[٣٣: ٥٦] ، فإذا قال القائل "اللهم صل وسلم على محمد" فقد امتثل الأمر القرآني، وقد جاءت أحاديث في تعليمه - صلى الله عليه وسلم - لصفة الصلاة عليه