الصلاة عليه من الله تعالى ثابتة على الدوام كما هو مفاد صيغة المضارع المفيد للاستمرار التجددي في قوله:{إن الله وملائكته يصلون على النبي}[٣٣: ٥٦] فدعاء المؤمنين بمجرد الصلاة عليه قليل الجدوى، بين لهم أن يدعوا له بعموم صلاته له ولأهل بيته ليكون دعاءهم مستجلباً لفائدة جديدة، وهذا هو الموافق لما ذكره علماء المعاني في القيود أن محط الفائدة في الكلام هو القيد الزائد، وكأنه لهذا خص إبراهيم؛ لأنه كان معلوماً بعموم الصلاة له ولأهل بيته على لسان الملائكة، ولذا ختم بقوله:"إنك حميد مجيد"، كما ختمت الملائكة صلاتهم على أهل بيت إبراهيم بذلك. ومنها: ما قال بعض المحققين: وجه الشبه هو كون كل من الصلاتين أفضل وأولى وأتم من صلاة من قبله، أي كما صليت على إبراهيم صلاة هي أتم، وأفضل من صلاة من قبله، كذلك صل على محمد صلاة هي أفضل وأتم من صلاة من قبله. قال السندي بعد ذكره: ويمكن أن تجعل وجه الشبه مجموع الأمرين من العموم والأفضلية. (إنك حميد) فعيل من الحمد بمعنى محمود وأبلغ منه، وهو من حصل له من صفات الحمد أكملها. وقيل: هو بمعنى الحامد أي إنك حامد من يستحق أن يحمد من عبادك، وقيل: هو بمعنى المستحق لجميع المحامد لما في الصيغة من المبالغة. (مجيد) مبالغة ماجد من المجد وهو الشرف، والمجيد صفة من كمل في الشرف، وهذا تذييل الكلام السابق وتقرير له سبيل العموم، أي إنك حميد، فاعل ما تستوجب به الحمد من النعم المتكاثرة والآلاء المتعاقبة المتوالية، مجيد، كريم الإحسان إلى جميع عبادك الصالحين، ومن محامدك وإحسانك أن توجه صلواتك، وبركاتك، وترحمك على حبيبك نبي الرحمة وآله، أو إنك حامد من يستحق أن يحمد، ومحمد من أحق عبادك بحمدك، وقبول دعاء من يدعوا له ولآله. (اللهم بارك على محمد) أي أثبت له وأدم له ما أعطيته من الشرف والكرامة، وزده من الكمالات ما يليق بك وبه. قال الحافظ: المراد بالبركة هنا الزيادة من الخير والكرامة. وقيل: المراد التطهير من الذنوب والتزكية. وقيل: المراد إثبات ذلك واستمراره من قوله: بركت الإبل أي ثبتت على الأرض، وبه سميت بركة ماء- بكسر أوله وسكون الثانية- لإقامة الماء فيها. والحاصل أن المطلوب أن يُعطوا من الخير أوفاه وأن يثبت ذلك ويستمر دائماً-انتهى. قال القاري: وهذا زيادة على أصل السؤال ووقع تتميماً للكمال. واستدل بهذا الحديث على تعين هذا اللفظ الذي علمه النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه في امتثال الأمر، سواء قلنا بالوجوب مطلقاً أو مقيداً بالصلاة، وأما تعينه في الصلاة فعن أحمد في رواية، والأصح عند أتباعه لا تجب. واختلف في الأفضل فعن أحمد أكمل ما ورد وعنه يتخير، وأما الشافعية فقالوا: يكفي أن يقول: اللهم صل على محمد، واختلفوا هل يكفي الإتيان بما يدل على ذلك كأن يقوله بلفظ الخبر فيقول:"صلى الله على محمد" مثلاً؟ والأصح إجزاءه، وذلك أن الدعاء بلفظ الخبر آكد فيكون جائزاً بطريق الأولى. ومن منع وقف عند التعبد، وهو الذي رجحه ابن العربي، بل كلامه يدل على أن الثواب الوارد لمن صلى على النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما يحصل لمن صلى عليه بالكيفية المذكورة. قال الحافظ في الفتح: واتفق