القبر. قال الحفني: قوله ما من أحد أي مؤمن يسلم، الخ. ظاهره ولو بعيداً عن القبر، لكن خصه بعض الأئمة بالقريب منه، أما البعيد فيبلغه الملك-انتهى. وقال الحافظ العلامة محمد بن أحمد بن عبد الهادي المقدسي الحنبلي في "الصارم المنكي في الرد على التقي السبكي"(ص١٧٢) : قوله: "ما من أحد يسلم" يحتمل أن يكون المراد به عند قبره كما فهمه جماعة من الأئمة، ويحتمل أن يكون معناه على العموم، وأنه لا فرق في ذلك بين القريب والبعيد، وهذا هو ظاهر الحديث، وهو الموافق للأحاديث المشهورة التي فيها "فإن تسليمكم يبلغني أينما كنتم، وإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم" يشير بذلك - صلى الله عليه وسلم - إلى أن ما ينالني منكم من الصلاة والسلام يحصل مع قربكم من قبري وبُعدكم منه، فلا حاجة بكم إلى اتخاذه عيداً. والأحاديث عنه بأن صلاتنا وسلامنا تبلغه، وتعرض عليه، كثيرة-انتهى. وقال الشوكاني: ليس في الحديث ما يدل علىاعتبار كون المسلّم عليه على قبره، بل ظاهره أعم من ذلك-انتهى. قلت: إن كان المراد بالسلام في قوله: ما من أحد يسلم، الخ. ما هو بمنزلة سلام التحية الموجب للرد الذي هو حق المسلم، ولا يختص بالمؤمن، فإن الصحيح أن المراد في الحديث السلام عليه عند قبره كما فهمه كثير من العلماء؛ لأن سلام التحية على الميت يكون عند القبر لكن السلام المشروع عند القبر الذي هو سلام تحية ليس من خصائصه - صلى الله عليه وسلم -، ولهذا روي أن الميت يرد السلام مطلقاً. فقد أخرج ابن عبد البر في الاستذكار والتمهيد عن ابن عباس، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما من أحد يمر بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا عرفه، ورد عليه السلام، صححه أبومحمد عبد الحق، قال: وهذا نص في أنه يعرفه بعينه، ويرد عليه السلام، وروى ابن أي الدنيا في كتاب القبور بسنده عن زيد بن أسلم، عن أبي هريرة، قال: إذا مر الرجل بقبر يعرفه فسلم عليه رد عليه السلام، وعرفه، وإذا مر بقبر لا يعرفه فسلم عليه رد عليه. وعلى هذا فالحديث يكون مختصاً بالحاضر عند قبره. وأما الغائب فلا يحصل له ذلك. وإن كان المراد بالسلام في الحديث ما أمر الله به في القرآن، أعني الذي يسلم على صاحبه كما يصلي على من صلى عليه، والذي يختص بالمؤمن ولا يوجب الرد ولا يستدعيه، بل هو بمنزلة دعاء المؤمن للمؤمنين والاستغفار لهم، وله فيه الأجر والثواب من الله ليس على المدعو لهم مثل ذلك الدعاء، خلافاً لسلام التحية، فحمله على العموم هو الظاهر بل هو المتعين؛ لأنه ليس في الحديث ما يدل على اعتبار كون المسلم عليه حاضراً عند قبره، ولأن السلام مأمور به في القرآن مع الصلاة عليه بقوله:{صلوا عليه وسلموا تسليماً}[٣٣: ٥٦] مشروع له في جميع الأمكنة، لا يختص بمكان دون مكان، ولا مزية للسلام عليه عند قبره، كما لا مزية للصلاة عليه عند قبره، بل قد نهى عن تخصيص قبره بهذا كما روى: لا تتخذوا قبري عيداً، فإن تسليمكم يبلغني أينما كنتم. والراجح عندي أن المراد بالسلام في الحديث سلام دعاء لا سلام تحية، فيتعين حمل الحديث على العموم، ولا يكون في ذلك فرق بين القريب والبعيد، كما قال في "الصارم المنكي": ولا يكون الحديث مختصاً بالزائر للقبر، الحاضر