عنده، بل يحصل ذلك لكل مسلم قريباً كان أو بعيداً، وحينئذٍ تحصل فضيلة رد النبي - صلى الله عليه وسلم - السلام على المسلّم من غير زيارة وحضور عند قبره. قال القاري في شرح الشفاء: ظاهر حديث أبي هريرة الإطلاق الشامل لكل مكان وزمان، ومن خص الرد بوقت الزيارة فعليه البيان-انتهى. وسيأتي من حديث أبي هريرة ما يدل على أن سلام الغائب عن قبره يبلغه ويعرض عليه، وأما الحاضر عند القبر، الزائر له إن كانت الزيارة المعهودة ممكنة مقدورة فهل يكون كذلك أو يسمعه - صلى الله عليه وسلم - بغير واسطة؟ فقال القاري: الزائر إذا صلى وسلم عند قبره سمعه سماعاً حقيقياً بخلاف من يصلي ويسلم عليه من بعيد، فإن ذلك لا يبلغه إلا بواسطة لما جاء عنه بسند جيد: من صلى علي عند قبري سمعته، ومن صلى علي من بعيداً علمته-انتهى. قلت: أخرج هذا الحديث أبوبكر بن أبي شيبة، والبيهقي، والعقيلي من طريق العلاء بن عمرو الحنفي، عن محمد بن مروان السدي، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من صلى عليّ عند قبري سمعته، ومن صلى علي نائياً عن قبري بلغته. قال العقيلي: لا أصل له من حديث الأعمش، وليس بمحفوظ-انتهى. قلت: قد تكلم ابن حبان، والأزدي في العلاء بن عمرو، فقال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به بحال، وقال الأزدي: لا يكتب عنه بحال. ومحمد بن مروان السدي متروك الحديث، متهم بالكذب، ورواه الطبراني من طريق العلاء أيضاً، ولفظه: من صلى علي من قريب سمعته، ومن صلى علي من بعيد أبلغته. وقد رواه أبوالشيخ في كتاب الثواب بلفظ الطبراني من رواية أبي معاوية عن الأعمش، قال في الصارم: وهو خطأ فاحش، وإنما هو محمد بن مروان السدي، وهو متروك الحديث، متهم بالكذب. وقال ابن القيم في جلاء الأفهام: هذا الحديث غريب جداً، وقد ظهر بهذا أن قول القاري "بسند جيد" ليس بجيد، وكذا ما قال الحافظ في الفتح في رواية أبي الشيخ "أنه أخرجها بسند جيد" لا يخلو عن نظر وإشكال. وهذا، وقد ورد ما يدل على عدم السماع عند القبر، وهو ما روى البيهقي في الشعب بسند فيه محمد بن موسى الكديمي البصري، ومحمد بن مروان السدي، والكديمي متهم بالكذب، ووضع الحديث، والسدي متهم بالكذب، متروك الحديث عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة مرفوعاً: ما من عبد يسلم علي عند قبري إلا وكّل الله به ملكاً يبلغني. وفي رواية: من صلى علي عند قبري وكل الله به ملكا يبلغني، الخ. واعلم أن الذي استحبوا سلام التحية في المسجد خارج الحجرة - وهم أحمد وأبوداود، وابن حبيب والبيهقي، وغيرهم - قد ذهبوا إلى أن المراد بالسلام في الحديث السلام عند قبره، وأنه - صلى الله عليه وسلم - لا يرد على كل مسلّم عليه في صلاته في شرق الأرض وغربها، واحتجوا لما اختاروه بهذا الحديث، واعتمدوا عليه في مسألة الزيارة، لكن في الاستدلال به على استحباب سلام التحية في المسجد خارج الحجرة نظر. قال محمد بن عبد الهادي المقدسي في "الصارم المنكي"(ص١٠٥) : إن كان المراد السلام عليه عند قبره كما فهمه عامة العلماء فهل يدخل فيه من سلّم من خارج الحجرة، هذا مما