تنازع فيه الناس، وقد نوزعوا في دلالته، فمن الناس من يقول: هذا إنما يتناول من سلم عليه عند قبره كما كانوا يدخلون الحجرة على زمن عائشة فيسلمون على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكان يرد عليهم، فأولئك سلموا عليه عند قبره، وكان يرد عليهم، وهذا قد جاء عموماً في حق المؤمنين: ما من رجل يمر بقبر الرجل كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام، قالوا: فأما من كان في المسجد فهؤلاء لم يسلموا عليه عند قبره، بل سلامهم عليه كالسلام عليه في الصلاة، وكالسلام عليه إذا دخل المسجد وخرج، هذا هو السلام الذي أمر الله به في حقه بقوله:{صلوا عليه وسلموا تسليماً}[٣٣: ٥٦] . وهذا السلام قد ورد أنه من سلم مرة سلم الله عليه عشراً، كما أنه من صلى عليه مرة صلى الله عليه بها عشراً. وقال في (ص١٠٧) : وسلام الزائر للقبر على الميت المؤمن من باب سلام التحية. ولهذا روي أن الميت يرد السلام مطلقاً، فالصلاة والسلام عليه - صلى الله عليه وسلم - في مسجده، وسائر المساجد، وسائر البقاع مشروع بالكتاب والسنة والإجماع. وأما السلام عند قبره من داخل الحجرة فهذا كان مشروعاً لما كان ممكنناً بدخول من يدخل على عائشة. وأما تخصيص هذا السلام والصلاة بالمكان القريب من الحجرة فهذا محل النزاع، وللعلماء في ذلك ثلاثة أقوال: منهم من ذكر استحباب السلام والصلاة عليه إذا دخل المسجد، ثم بعد أن يصلي في المسجد استحب أيضاً أن يأتي إلى القبر، ويصلي ويسلم، كما ذكر ذلك طائفة من أصحاب مالك، والشافعي، وأحمد. ومنهم من لم يذكر إلا الثاني فقط، وكثير من السلف لم يذكروا إلا النوع الأول فقط، فأما النوع الأول فهو المشروع لأهل البلد، وللغرباء في هذا المسجد، وغير هذا المسجد. وأما النوع الثاني فهو الذي فرق من استحبه بين أهل البلاد والغرباء، سواء فعله مع الأول أو مجرداً عنه، كما ذكر ذلك ابن حبيب وغيره. وقال في (ص١٢٦) : وإنما كان نزاعهم في الوقوف للدعاء له، والسلام عليه عند الحجرة. فبعضهم رأى هذا من السلام الداخل في قوله - صلى الله عليه وسلم -: ما من رجل يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام، واستحبه لذلك. وبعضهم لم يستحبه إما لعدم دخوله، وإما لأن السلام المأمور به في القرآن مع الصلاة وهو السلام الذي لا يوجب الرد أفضل من السلام الموجب للرد، فإن هذا مما دل عليه الكتاب والسنة، واتفق عليه السلف، فإن السلام المأمور به في القرآن كالصلاة المأمور بها في القرآن كلاهما لا يوجب عليه الرد، بل الله يصلي على من يصلي عليه، ويسلم على من يسلم عليه، ولأن السلام الذي يوجب الرد هو حق للمسلم، ولهذا يرد السلام على من سلم وإن كان كافراً، وكان اليهود إذا سلموا يقول: عليكم، وأمر أمته بذلك. قال: ولا يجوز أن الكفار إذا سلموا عليه سلام التحية فإن الله يسلم عليهم عشراً، بل كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يجيبهم على ذلك فيوفيهم، كما لو كان لهم دَين فقضاه، وأما ما يختص بالمؤمنين فإذا صلوا عليه صلى الله على من صلى عليه عشراً، وإذا سلم عليه سلم الله عيه عشراً، وهذا الصلاة والسلام عليه هو المشروع في كل مكان بالكتاب، والسنة، والإجماع، بل هو مأمور به من الله