للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

سبحانه وتعالى، لا فرق في هذا بين الغرباء وأهل المدينة عند القبر. وأما السلام عليه عند القبر فقد عرف أن الصحابة، والتابعين المقيمين بالمدينة لم يكونوا يفعلونه إذا دخلوا المسجد، وخرجوا منه، ولو كان هذا كالسلام عليه لو كان حياً لكانوا يفعلونه كلما دخلوا المسجد وخرجوا منه، كما لو دخلوا المسجد في حياته وهو فيه، فإنه مشروع لهم كلما رأوه أن يسلموا عليه، فهو لما كان حياً كان أحدهم إذا أتى يسلم، وإذا قام يسلم، ومثل هذا لا يشرع عند القبر باتفاق المسلمين، وهو معلوم بالاضطرار من عادة الصحابة، ولو كان سلام التحية خارج الحجرة لكان مستحباً لكل أحد، ولهذا كان أكثر السلف لا يفرقون بين الغرباء وأهل المدينة، ولا بين حال السفر وغيره، فإن استحباب هذا لهؤلاء وكراهته لهؤلاء حكم شرعي يفتقر إلى دليل شرعي، ولا يمكن أحداً أن ينقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه شرع لأهل المدينة الإتيان عند الوداع للقبر. وشرع لهم ولغيرهم ذلك عند القدوم من سفر، وشرع للغرباء تكرير ذلك كلما دخلوا المسجد وخرجوا منه، ولم يشرع ذلك لأهل المدينة. فمثل هذه الشريعة ليس منقولاً عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عن خلفائه، ولا هو معروف من عمل الصحابة، وإنما نقل عن ابن عمر السلام عند القدوم من السفر، وليس هذا من عمل الخلفاء وأكابر الصحابة، فقد روى عبد الرزاق عن معمر: ذكرت ذلك أي عمل ابن عمر لعبيد الله بن عمر فقال: ما نعلم أحداً من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فعل ذلك إلا ابن عمر، هكذا قال عبيد الله بن عمر العمري الكبير، وهو أعلم آل عمر في زمانه، وأحفظهم، وأثبتهم. قال الشيخ أي ابن تيمية: كما كان ابن عمر يتحرى الصلاة، والنزول والمرور حيث حل ونزل وغير ذلك في السفر، وجمهور الصحابة لم يكونوا يصنعون ذلك، بل أبوه عمر كان ينهى عن مثل ذلك كما روى سعيد بن منصور في سننه. وقال في (ص١٢٩) : ومما اتفق عليه الصحابة، ابن عمر وغيره من أنه لا يستحب لأهل المدينة الوقوف عند القبر للسلام إذا دخلوا المسجد وخرجوا، بل يكره ذلك، يبين ضعف حجة من احتج بقوله: "ما من رجل يسلم إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام"، فإن هذا لو دل على استحباب السلام من المسجد لما اتفق الصحابة على ترك ذلك، ولم يفرق بين القادم من السفر وغيره، فلما اتفقوا على ترك ذلك مع تيسره علم أنه غير مستحب، بل لو كان جائزاً لفعله بعضهم، فدل على أنه كان من المنهي عنه كما دلت عليه سائر الأحاديث، وعلى هذا فالجواب عن الحديث: إما بتضعيفه على قول من يضعفه، وإما بأن ذلك يوجب فضيلة الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا فضيلة المسلم بالرد عليه. إذا كان هذا من باب المكافأة والجزاء حتى أنه يشرع للبر والفاجر التحية، بخلاف ما يقصد به الدعاء المجرد، وهو السلام المأمور به. وإما بأن يقال هذا مما هو في من سلم عليه من قريب، والقريب أن يكون في بيته، فإنه إن لم يحد بذلك لم يبق له حد محدود من جهة الشرع، ثم بسط الوجه الثاني، ثم ذكر في (ص١٣١) كلام ابن تيمية في الرد على حجة من فرق بين الصادر من المدينة والوارد عليها، والوارد على مسجده من الغرباء، والصادر عنه. ثم قال في

<<  <  ج: ص:  >  >>