للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

رواه النسائي.

ــ

من الصلاة فيها والدعاء والقراءة، فتكون بمنزلة القبور، فأمر بتحرى العبادة في البيوت، ونهى عن تحريها عند القبور، عكس ما يفعله المشركون من النصارى ومن تشبه بهم من هذه الأمة، ثم إنه - صلى الله عليه وسلم - أعقب النهي عن اتخاذها عيداً بقوله: "وصلوا عليّ فإن صلاتكم تبلغني حيث ما كنتم"، وفي الحديث: "فإن تسليمكم يبلغني أينما كنتم"، يشير بذلك - صلى الله عليه وسلم - إلى أن ما ينالني منكم من الصلاة والسلام يحصل مع قربكم من قبري وبعدكم منه، فلا حاجة بكم إلى اتخاذه عيداً. قال: وهذا أفضل التابعين من أهل بيته علي بن الحسين رضي الله عنهما نهى ذلك الرجل أن يتحرى الدعاء عند قبره - صلى الله عليه وسلم -. واستدل بالحديث (كما سيأتي) وهو راوي الحديث الذي سمعه من أبيه الحسين، عن جده علي، وأعلم بمعناه من غيره، فبين أن قصده للدعاء ونحوه اتخاذ له عيداً. وكذلك ابن عمه حسن بن حسن شيخ أهل بيته كره أن يقصد الرجل القبر للسلام عليه ونحوه عند غير دخول المسجد. ورأى أن ذلك من اتخاذه عيداً، فانظر هذه السنة كيف مخرجها من أهل المدينة وأهل البيت - رضي الله عنهم - الذين لهم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرب النسب الدار، لأنهم إلى ذلك أحوج من غيرهم فكانوا أضبط-انتهى. والحديث قد استدل به على منع السفر لزيارة قبره - صلى الله عليه وسلم -، لأن المقصود من زيارة قبره هو الصلاة والسلام عليه والدعاء له - صلى الله عليه وسلم -، وهذا يحصل من بُعد كما يحصل من قرب. ولأن من سافر إليه وحضر مع ناس آخرين فقد اتخذه عيداً، وهو منهي عنه بنص الحديث، فثبت المنع من شد الرحل لأجل ذلك بإشارة النص، كما ثبت النهي عن جعله عيداً بدلالة النص، وهاتان الدلالتان معمول بهما عند علماء الأصول، ووجه هذه الدلالة على المراد قوله "تبلغني حيث كنتم"، فإنه يشير إلى البُعد، والبعيد عنه - صلى الله عليه وسلم - لا يحصل له القرب إلا باختيار السفر إليه، ففيه النهي عن السفر للزيارة. قال الإمام ابن تيمية: في الحديث دليل على منع شد الرحل إلى قبره - صلى الله عليه وسلم -، وإلى قبر غيره من القبور والمشاهد، لأن ذلك من اتخاذها عيداً -انتهى. وهذه المسألة أي السفر لمجرد زيارة قبور الأنبياء والأولياء والصلحاء هي التي أفتى فيها ابن تيمية، وذكر اختلاف العلماء فيها، فمن مبيح لذلك كالغزالي، وأبي محمد المقدسي، ومن مانع لذلك كابن بطة، وابن عقيل، وأبي محمد الجويني، والقاضي عياض، وهو قول الجمهور، نص عليه مالك، ولم يخالفه أحد من الأئمة، وهو الصواب لحديث النهي عن شد الرحل إلا إلى ثلاثة مساجد، كما في الصحيحين، كذا في "فتح المجيد شرح كتاب التوحيد". وارجع للتفصيل في هذه المسألة إلى "اقتضاء الصراط المستقيم" لابن تيمية، و"جلاء الأفهام" لابن القيم، و"الصارم المنكي" لمحمد بن عبد الهادي المقدسي، و"أحسن الأقوال في شرح حديث لا تشد الرحال"، و"الرد على منتهى المقال" للعلامة القاضي بشير الدين القنوجي. (رواه النسائي) هذا من أوهام المصنف، فإن حديث أبي هريرة هذا لم يروه النسائي، اللهم إلا أن يكون المراد روايته في السنن الكبرى. والحديث رواه أبوداود في باب زيارة القبور في آخر المناسك، وقد تفرد بروايته من بين أصحاب الكتب الستة كما يظهر من "ذخائر المواريث" و"الصارم المنكي". وأخرجه أيضا أحمد، وقد سكت عنه

<<  <  ج: ص:  >  >>