للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا وفتنة الممات،

ــ

الضغطة ووحشة الوحدة، والمراد بالقبر البرزخ، والتعبير به للغالب، أو كل ما استقر فيه أجزاءه فهو قبره. وفيه إثبات لعذاب القبر، ورد على المنكرين لذلك من المعتزلة. والأحاديث في الباب متواترة كما تقدم. (وأعوذ بك من فتنة المسيح) قال أهل اللغة: الفتنة الامتحان والاختبار. قال عياض: واستعمالها في العرف لكشف ما يكره، وقد تطلق على القتل، والإحراق، والنميمة، وغير ذلك. والمسيح - بفتح الميم وكسر السين المخففة آخره هاء مهملة – وفيه ضبط آخر، وهذا المشهور الأصح، يطلق على الدجال، وعلى عيسى بن مريم عليه السلام، لكن إذا أريد الدجال قيد به، واختلف في تلقيب الدجال بذلك، فقيل: لأن إحدى عينيه ممسوحة، فعيل بمعنى مفعول، أي عينيه ذاهبة. وقيل:؛ لأن أحد شقى وجهه خلق ممسوحاً لا عين فيه ولا حاجب. وقيل: فعيل بمعنى فاعل من المساحة؛ لأنه يمسح الأرض إذا خرج، أي يقطعها بتردده فيها في أيام معدودة إلا مكة والمدينة، فإن الله تعالى حماهما منه بفضله، وآخر الأمر يقتله المسيح عيسى بن مريم في محاصرة القدس. وأما عيسى، فقيل: سمى بذلك؛ لأنه خرج من بطن أمه ممسوحا بالدهن. وقيل: لأن زكريا مسحه. وقيل:؛ لأنه كان لا يمسح ذا عاهة إلا برئ. وقيل:؛ لأنه كان سياح يمسح الأرض أي يقطعها بسياحته وكثرة سيره في الأرض. وقيل:؛ لأن رجله كانت لا أخمص لها. وقيل: للبسه المسوح. وقيل: أصله "ما شيخا" بالعبرانية، وهو المبارك، فعرب المسيح. وقيل: المسيح الصديق. وذكر المجد الشيرازي صاحب القاموس أنه جمع في وجه تسمية عيسى بذلك خمسين قولاً، أوردها في شرح مشارق الأنوار. (الدجال) أي الخداع الكذاب، فعال من الدجل، وهو الخدع، والكذب، والتغطية، والمراد به هنا الكذاب المعهود الذي سيظهر في آخر الزمان، وفي معناه كل مفسد مضل. والمراد بفتنة المسيح الدجال هي ما يظهر على يده من الأمور الخارقة للعادة التي يضل بها من ضعف إيمانه كما اشتملت على ذلك الأحاديث المشتملة على ذكره، وذكر خروجه وما يظهر للناس من تلك الأمور. (وأعوذ بك من فتنة المحيا وفتنة الممات) المحيا بالقصر مفعل من الحياة كالممات من الموت، والمراد الحياة والموت، ويحتمل أن يريد زمان ذلك ويريد بذلك محنة الدنيا وما بعدها، ويحتمل أن يريد بذلك حالة الاخضار وحالة المسألة في القبر، وكأنه استعاذ من فتنة هذين المقامين، وسأل التثبيت فيهما، قاله القرطبي. وقال ابن دقيق العيد: فتنة المحيا ما يعرض للإنسان مدة حياته من الافتتان بالدنيا، والشهوات، والجهالات، وأعظمها-والعياذ بالله – أمر الخاتمة عند الموت، وفتنة الممات يجوز أن يراد بها الفتنة عند الموت، أضيفت إليه لقربها منه، ويكون المراد بفتنة المحيا على هذا ما قيل ذلك ويجوز أن يراد بها فتنة القبر، وقد صح يعني حديث أسماء عند البخاري "إنكم تفتنون في قبوركم مثل أو قريباً من فتنة الدجال". ولا يكون مع هذا الوجه متكرراً مع قوله "عذاب القبر"؛ لأن العذاب مرتب عن الفتنة، والسبب غير المسبب. وقال الطيبي: "فتنة المحيا" الابتلاء مع زوال الصبر والرضاء، والوقوع في الآفات، والإصرار على السيئات،

<<  <  ج: ص:  >  >>