اللهم إني أعوذ بك من المأثم ومن المغرم. فقال له قائل: ما أكثر ما تستعيذ من المغرم! فقال: إن الرجل إذا غرم، حدث فكذب، ووعد فأخلف)) .
ــ
وترك متابعة طريق الهدى، و"فتنة الممات" سؤال منكر ونكير مع الحيرة والخوف، وعذاب القبر وما فيه من الأهوال والشدائد، وهذا من العام بعد الخاص؛ لأن عذاب القبر داخل تحت فتنة الممات، وفتنة الدجال داخلة تحت فتنة المحيا. (من المأثم) أي مما يأثم به الإنسان، أو مما فيه إثم، أو مما يوجب الإثم، أو الإثم نفسه، مصدر وضع موضع الاسم. (ومن المغرم) قال الجزري: هو مصدر وضع موضع الاسم، يريد به مغرم الذنوب والمعاصي. وقيل: المغرم كالغرم وهو الدين، ويريد به ما استدين فيما يكرهه الله أو فيما يجوز ثم عجز عن أدائه، فأما دين احتاج إليه وهو قادر على أداءه فلا يستعاذ منه-انتهى. وقال الحافظ: المغرم الدين، يقال: غرم-بكسر الراء- أي أدان. قيل: والمراد به ما يستدان فيما لايجوز، أو فيما يجوز ثم يعجز عن أدائه. ويحتمل أن يراد به ما هو أعم من ذلك، وقد استعاذ - صلى الله عليه وسلم - من قلبة الدين-انتهى. وقال السندي: الظاهر أن المراد ما يفضي إلى المعصية بسبب ما. (فقال له قائل) في رواية للنسائي أن السائل عن ذلك عائشة، ولفظها: قلت: يارسول الله! ما أكثر ما تستعيذ، الخ.. (ما أكثر) بفتح الراء فعل التعجب. (ما تستعيذ) في محل النصب وما مصدرية، أي استعاذتك، كأن هذا القائل رأى أن الدين إنما يتعلق بضيق الحال ومثله لا يحترز عنه أصحاب الكمال. (إن الرجل) المراد به الجنس، وغالب حاله. (إذا غرم) بكسر الراء أي لزمه دين، والمراد استدان واتخذ ذلك دأبه وعادته كما يدل عليه السياق. (حدّث) بتشديد الدال أي أخبر عن ماضي الأحوال لتمهيد عذر في التقصير. (فكذب) ؛ لأنه إذا تقاضاه رب الدين ولم يحضره ما يؤدي به دينه يكذب ليتخلص من يده ويقول: لي مال غائب إذا حضر أودي دينك. (ووعد) أي في المستقبل بأن يقول: أعطيك غداً أو في المدة الفلانية، (فأخلف) في وعده، وبما تقرر علم أن "غرم" شرط و"حدث" جزاء، و"كذب" عطف على الجزاء مرتب عليه، و"وعد" عطف على "حدث" لا على"غرم" و"أخلف" مرتب عليه. وحاصل الجواب: أن الدين يؤدي إلى خلل بالدن فلذلك وقعت العناية بالمسألة وقد استشكل دعاءه - صلى الله عليه وسلم - بما ذكر مع أنه معصوم مغفور له ما تقدم وما تأخر. وأجيب بأجوبة، أحدها: أنه قصد التعليم لأمته. ثانيها: أن المراد السؤال منه لأمته فيكون المعنى هنا: أعوذ بك لأمتي. ثالثها: سلوك طريق التواضع، وإظهار العبودية، وإلزام خوف الله، وإعظامه، والافتقار إليه، وامتثال أمره في الرغبة إليه، ولا يمتنع تكرار الطلب مع تحقق الإجابة؛ لأن ذلك يحصل الحسنات، ويرفع الدرجات. وفيه تحريض لأمته على ملازمة ذلك؛ لأنه إذا كان مع تحقق المغفرة لا يترك التضرع، فمن لم يتحقق ذلك أحرى بالملازمة. وأما الاستعاذة من فتنة الدجال مع تحققه أنه لا يدركه فلا إشكال فيه على الوجهين الأولين. وقيل: على الثالث يحتمل أن يكون ذلك قبل تحقق عدم إدراكه، ويدل عليه