وبوب عليه النووي في شرحه لمسلم "باب استحباب يمين الإمام". وقيل في بيان السبب لكونه - صلى الله عليه وسلم - (يقبل علينا) أي على أهل اليمين. (بوجهه) أي عند السلام أولاً قبل أن يقبل على من يساره، أي فنحب أن يقع بصره - صلى الله عليه وسلم - علينا عند التسليم أولاً. وعلى هذين الوجهين لا دليل في الحديث على أنه كان يلتفت بعد الانصراف من الصلاة إلى أهل اليمين ويستقبلهم في حالة الجلوس بعد انحرافه عن جهة القبلة، فلا منافاة بينه وبين ما تقدم من حديث سمرة بن جندب الدال على استقبال جميع المؤتمين. قال القاضي: يحتمل أن يكون التيامن عند التسليم وهو الأظهر؛ لأن عادته - صلى الله عليه وسلم - إذا انصرف أن يستقبل جميعهم بوجهه- انتهى. وقيل: معنى الحديث يقبل علينا بوجهه أي يستقبل في حالة الجلوس بعد الانصراف من الصلاة والانحراف عن جهة القبلة أهل الميمنة لا جميع المؤتمين، فلذلك نحب أن نكون عن يمينه، وعلى هذا المعنى يعارض هذا حديث سمرة المتقدم. واختلفوا في وجه الجمع بينهما، وبيان محمل الحديثين، ومحمل أحاديث الانصراف عن اليمين وعن اليسار. فمنهم من أوّل حديث سمرة إلى حديث البراء، وجعل حديث البراء مفسراً الحديث سمرة، وقال: المراد بقوله "أقبل علينا" في حديث سمرة أي على بعضنا وهم أهل اليمين، أو أن سمرة كان يصلي في الميمنة فقال ذلك باعتبار من يصلي في جهة اليمين. ومنهم من جمع بين الحديثين بأنه - صلى الله عليه وسلم - كان تارة يستقبل جميع المؤتمين، وتارة يستقبل أهل اليمين، قالوا فالإمام مخير إن شاء استقبل القوم بوجهه، وإن شاء انحرف يمنه ويسرة أي يجعل يمينه إليهم ويساره إلى القبلة، أو عكسه. قال الشوكاني: يمكن الجمع بين الحديثين بأنه كان تارة يستقبل جميع المؤتمين، وتارة يستقبل أهل الميمنة، أو يجعل حديث البراء مفسراً لحديث سمرة، فيكون المراد أقبل علينا أي على بعضنا، أو أنه كان يصلي في الميمنة، فقال ذلك باعتبار من يصلي في جهة اليمين- انتهى. ومنهم من فصل وقال: إنه كان من عادته - صلى الله عليه وسلم - أنه إذا أسلم تحول عن القبلة، وانحرف يميناً أو شمالاً، ولم يمكث مستقبل القبلة، بل يسرع الانتقال إلى المأمومين، فإن كان هناك حاجة وضرورة إلى خطاب الناس جلس مستقبلاً لجميع المؤتمين، وخاطبهم وكلمهم، كما في حديث سمرة، وزيد بن خالد الجهني، وأنس، ومن وافقهم، وإن لم يكن هناك شيء يتعلق بخطاب القوم فتارة جلس منحرفاً يمنه بأن يجعل يمينه إلى القوم ويساره إلى القبلة، كما يدل عليه حديث البراء على المعنى الثالث. وتارة جلس منحرفاً يسره بأن جعل يساره إلى القوم ويمينه إلى القبلة، وتارة لا يجلس بل يذهب إلى جهة حاجته سواء كانت عن يمينه أو عن شماله، والأحاديث التي فيها ذكر الانصراف عن اليمين والشمال مطلقاً كحديثي ابن مسعود وأنس الذين ذكرهما المصنف، وكحديث هلب عند الترمذي، وأبي داود، وابن ماجه بلفظ: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يؤمنا فينصرف عن جانبيه جميعاً على يمينه وشماله. وكحديث عبد الله بن عمرو عند ابن ماجه بلفظ:"رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينفتل عن يمينه وعن يساره في الصلاة" تتناول جميع هذه الصور. ومنهم من حمل أحاديث الانصراف المطلقة على الذهاب إلى البيت، والانصراف إلى موضع الحاجة، وقال: إن الإمام إن كان لا يريد الجلوس بعد السلام بل يريد الذهاب إلى بيته سلم