فأنزل الله تصديقها ((والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر، ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون - الآية)) متفق عليه.
٥٠- (٢) وعن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق
الوالدين،
ــ
والزنا في ذاتها قبائح أي قبائح، وقد قارنها من الأحوال ما جعلها في القبح بحيث لا يحيطها الوصف. وقال القاري: حاصل القيود من الند والولد والجار كمال تقبيح هذه الأصناف من هذه الأنواع لا أنها قيود احترازية. (فأنزل الله تصديقها) أي تصديق هذه المسألة أو الأحكام، ونصبه على أنه مفعول له أي أنزل الله هذه الآية تصديقاً لها {والذين لا يدعون مع الله إلها آخر} هذا من جملة الأخبار عن المبتدأ المتقدم وهو "عباد الرحمن"{ولا يقتلون النفس التي حرم الله} أي قتلها (إلا بالحق) كالرجم والردة والقصاص، والمعنى: لا يقتلون نفس غير الحربي بوجه من الوجوه إلا بالحق، فهو استثناء مفرغ (الآية) وهي بتمامها في سورة الفرقان. فإن قلت: القتل والزنا في الآية مطلقان، وفي الحديث مقيدان. قلت: لأنها بالقيد أعظم وأفحش، ولا ما نع من الاستدلال لذلك بالآية. وقال القاري: في كون هذه الآية مصدقة للحديث دليل واضح لما تقدم من أن المقصود من الحديث إنما هو بيان مطلق الزنا والقتل، وأن ذكر الولد والخشية وحليلة الجار لبيان زيادة الفحش والتشنيع والتفضيح أو رعاية لحال السائل لا للتقييد، وإلا لم تكن الآية الدالة على أكبرية القتل والزنا لا بقيد مطابقة للحديث حتى تصدقه، بل كان الحديث مقيداً لها. والحديث أخرجه البخاري في تفسير سورة البقرة والفرقان وفي الأدب وفي المحاربة وفي التوحيد، ومسلم في الإيمان، والترمذي في تفسير سورة الفرقان، والنسائي في المحاربة. واعلم أنه لم يقع في كثير من النسخ المطبوعة في الهند، وفي النسخة التي طبعت على حاشية المرقاة عزو الحديث لأحد من مخرجيه من أئمة الحديث. والظاهر أنه سقط لفظ " متفق عليه" من تلك النسخ أو لم يكن موجوداً في أصولها، والصواب وجود هذه اللفظة لوقوعها في النسخ المخطوطة التي ذكرها الشيخ أبوبكر زهير شاويش في مقدمته، ولما أنها ضبطها القاري في شرحه للمشكاة، وكانت عنده عدة نسخ مصححة مقروءة مسموعة معتمدة، أخذ من مجموعها أصلاً وصححه منها، وضبط في شرحه على ما ذكره في أول الشرح.
٥٠-قوله:(الكبائر) المراد به أكبر الكبائر لما في رواية عند أحمد: من أكبر الكبائر، ولحديث عبد الله بن أنيس عند الترمذي بسند حسن مرفوعاً قال: من أكبر الكبائر ... فذكر منها: اليمين الغموس، ولحديث ابن مسعود المتقدم، فإنه جعل فيه الشرك بالله أكبر الذنوب، ولحديث أنس عند البخاري في الديات وفيه: أكبر الكبائر ... الحديث. (الإشراك بالله) أي اتخاذ إله غير الله، المراد به مطلق الكفر، وتخصيص الشرك بالذكر لغلبته في الوجود لاسيما في بلاد العرب، فذكر تنبيهاً على غيره من أصناف الكفر (وعقوق الوالدين) بضم العين المهملة أي عصيان أمرهما وترك