للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

سلمنا عليه فلم يرد علينا، فقلنا: يا رسول الله، كنا نسلم عليك في الصلاة فترد علينا، فقال: إن في الصلاة لشغلاً))

ــ

أنه قدم المدينة والنبي - صلى الله عليه وسلم - يتجهز لبدر. وفي مستدرك الحاكم عن ابن مسعود قال: بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى النجاشي ثمانين رجلاً، فذكر الحديث بطوله، وفي آخره: فتعجل عبد الله بن مسعود فشهد بدراً، وفي السير لابن إسحاق: أن المسلمين بالحبشة لما بلغهم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - هاجر إلى المدينة رجع منهم إلى مكة ثلاثة وثلاثون رجلاً، فمات منهم رجلان بمكة، وحبس منهم سبعة، وتوجه إلى المدينة أربعة وعشرون رجلاً، فشهدوا بدراً، فعلى هذا كان ابن مسعود من هؤلاء، فظهر أن اجتماعه بالنبي - صلى الله عليه وسلم - بعد رجوعه كان بالمدينة قبل بدر، وعلى هذا لا يكون في حديث ابن مسعود دلالة على أن نسخ الكلام في الصلاة كان بمكة قبل الهجرة، بل هو يتفق مع حديث زيد بن أرقم على أن النهي عن الكلام في الصلاة كان بالمدينة بعد الهجرة بمدة يسيرة، ولفظه قال: كنا نتكلم في الصلاة، يكلم الرجل منا صاحبه وهو إلى جنبه في الصلاة، حتى نزلت: {وقوموا لله قانتين} [٢: ٢٣٨] فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام، أخرجه أحمد والشيخان والترمذي وأبوداود والنسائي، وللترمذي: كنا نتكلم خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة، وحديث زيد هذا ظاهر في أن نسخ الكلام في الصلاة وقع بهذه الآية، فيقتضى أن النسخ وقع بالمدينة؛ لأن الآية مدنية بالاتفاق، وصحبة زيد لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانت بالمدينة فإنه ممن لم يدخل مكة قط، مع أنه يروي أنه وجد زمان جواز الكلام في الصلاة ونسخه كليهما، فدل على أن الكلام كان جائزا بالمدينة أيضاً إلى زمن أدركه زيد بن أرقم ثم أنه نسخ، كما رواه هو، فلو كان نسخ الكلام بمكة لم يكن لزيد بن أرقم أن يدرك جوازه ويرويه ويروي نسخه أيضاً. ويقوي ذلك ما زاد في رواية كلثوم الخزاعي عن ابن مسعود عند النسائي: أن الله أحدث في الصلاة أن لا تكلموا إلا بذكر الله وما ينبغي لكم فقوموا لله قانتين، فأمرنا بالسكوت، فإن هذه الرواية ظاهرة في أن كلاً من ابن مسعود وزيد بن أرقم حكى أن الناسخ قوله تعالى: {وقوموا لله قانتين} وقال: من مال إلى أن المراد بقوله فلما رجعنا الرجوع الأول: إن تحريم الكلام كان بمكة، وحمل حديث زيد بن أرقم على أنه وقومه لم يبلغهم النسخ، وقال لا مانع أن يتقدم الحكم ثم تنزل الآية بوفقه. وفيه أن قول زيد بن أرقم يكلم الرجل منا صاحبه وأن ذلك كان خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يرد هذا التأويل؛ لأن تكليم بعضهم بعضاً في الصلاة لا يخفى عليه - صلى الله عليه وسلم - لما قد صح عنه أنه كان يراهم في الصلاة من خلفه. (سلمنا عليه) أي وهو في الصلاة. (فلم يرد) بفتح الدال ويجوز ضمها وكسرها. (علينا) أي السلام باللفظ فيها، فقد روى ابن أبي شيبة من مرسل ابن سيرين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رد على ابن مسعود في هذه القصة السلام بالإشارة. (فقلنا) أي بعد الصلاة. (إن في الصلاة لشغلاً) بضم الشين وسكون الغين وبضمهما، قال الشوكاني: ههنا صفة محذوفة، والتقدير: لشغلاً كافياً عن غيره من الكلام. أو مانعاً من الكلام، وقال الطيبي: التنكير فيه للتنويع، أي بقراءة القرآن والذكر والدعاء لا الكلام، أو للتعظيم أي شغلاً وأي شغل؛ لأنها مناجاة مع الله تعالى، تستدعي

<<  <  ج: ص:  >  >>