عليها ولا ضرورة إليها. وأجاب أيضاً بأنه منسوخ، قال ابن عبد البر: لعله نسخ بتحريم العمل في الصلاة. وتعقب بأن النسخ لا يثبت بالاحتمال، وبأن هذه القصة كانت بعد قوله - صلى الله عليه وسلم -: إن في الصلاة لشغلاً؛ لأن ذلك قبل الهجرة أو بعدها بمدة يسيرة، وهذه القصة كانت بعد الهجرة قطعاً بمدة مديدة. وأجاب بعض المالكية بأن ذلك كان من خصائصه - صلى الله عليه وسلم - لكونه معصوماً من أن تبول وهو حاملها. ورد بأن الأصل عدم الاختصاص، وبأنه لا يلزم من ثبوت الاختصاص في أمر ثبوته في غيره بغير دليل، ولا مدخل للقياس في مثل ذلك. وقال أبوحنيفة: بجوازه عند الضرورة، وبكراهته عند عدم الحاجة. وحمل الحديث على حال الضرورة كما حمل عليها مالك. وأول بعض الحنفية بأنه عليه السلام كان يشير بها بالنزول عند الركوع وبتعلقها بنفسها عند القيام، فلم يكن منه - صلى الله عليه وسلم - إلا الإشارة، فعبر الراوي عن تعلقها بنفسها وعن إشارته بالنزول والتعلق بأنه صلى وهو حامل لها وإذا ركع وضعها وإذا قام حملها، فهذا توسع من الراوي لا غير. وهذا تأويل بعيد غاية البعد، يرده ظاهر ألفاظ الحديث وطرقه وهو في الحقيقة تحريف للحديث لا توجيه له فلا يلتفت إليه. وقال الخطابي في المعالم (ج١ ص٢١٧) : بعد تأويل الحديث بنحو ذلك، وإذا كان علم الخميصة يشغله عن صلاته حتى يستبدل بها الأنبجانية فكيف لا يشتغل عنها بما هذا صفته من الأمر-انتهى. وتعقبه النووي فقال: وأما قضية الخميصة فلأنها تشغل القلب بلا فائدة، وحمل إمامة لا نسلم أنه يشغل القلب، وإن شغله فيترتب عليه فوائد، وبيان قواعد مما ذكرنا وغيره، فاحتمل ذلك الشغل لهذه الفوائد بخلاف الخميصة. فالصواب الذي لا معدل عنه أن الحديث كان لبيان الجواز، والتنبيه على هذه الفوائد، فهو جائز لنا، وشرع مستمر للمسلمين إلى يوم الدين-انتهى. قلت: هذا هو الصواب الذي لا يجوز العدول عنه، أن الحديث محمول على بيان الشرع والجواز. وإليه ذهب بعض الحنفية. قال في رد المحتار (ج١ص ٦١٢) : قد أطال المحقق ابن أمير حاج في الحلية في هذا المحل ثم قال: إن كونه للتشريع بالفعل هو الصواب الذي لا يعدل عنه، كما ذكره النووي فإنه ذكر بعضهم: أن البيان بالفعل أقوى من القول، ففعله ذلك لبيان الجواز، وأن الآدمي طاهر، وما في جوفه من النجاسة معفو عنه لكونه في معدنه، ثم ذكر بقية كلام النووي، وسنذكر تمامه. قال الحافظ: حمل أكثر أهل العلم هذا الحديث على أنه عمل غير متوال لوجود الطمأنينة في أركان الصلاة. وقال النووي بعد أن ذكر التأويلات المتقدمة ما لفظه: وكل هذه الدعاوي باطلة مردودة، فإنه لا دليل عليها ولا ضرورة إليها، بل الحديث صحيح صريح في جواز ذلك، وليس فيه ما يخالف قواعد الشرع؛ لأن الآدمي طاهر وما في جوفه من النجاسة معفو عنه لكونه في معدنه، وثياب الأطفال وأجسامهم على الطهارة، ودلائل الشرع متظاهرة على هذا،