البارحة ليقطع صلاتي، فأمكنني الله منه، فأخذته فأردت أن أربطه على سارية من سواري المسجد حتى تنظروا إليه كلكم،
ــ
أجيب بأنه ليس المراد حقيقة الفرار، بل بيان قوة عمر وصلابته على قهر الشيطان، وقد وقع التصريح بأنه - صلى الله عليه وسلم - قهره وطرده، كما سيأتي. (البارحة) هي أقرب ليلة مضت، وفي المنتهى: كل زائل بارح، ومنه سميت البارحة لأدنى ليلة زالت عنك. وانتصابها على الظرفية، والمعنى تعرض في صلاتي الليلة الماضية. (ليقطع علي) بتشديد الياء (صلاتي) أي يبطلها ويفسدها، إما بمروره بين يديه؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - حكم بقطع الصلاة من مرور الكلب الأسود، فقيل: ما بال الأحمر من الأبيض من الأسود؟ فقال: الكلب الأسود شيطان، والجن يتصورون بصورته، أو بإلجائه إلى العمل الكثير، بأن يصدر من العفريت أفعال يحتاج إلى دفعها بأفعال كثيرة منافية للصلاة فيقطعها بتلك الأفعال. وقيل: المراد بالقطع قطع وصلة المناجاة بمروره بين يديه. وقيل: المراد قطع الخشوع وكمال الصلاة. (فأمكنني الله منه) أي أعطاني مكنة منه وقدرة عليه. (فأردت أن أربطه) بكسر الباء أي أشده. (على سارية) أي أسطوانة. (من سواري المسجد) الظاهر أنه المسجد النبوي. وفيه دليل على إباحة ربط الأسير في المسجد، وقد بوب البخاري على هذا الحديث "باب الأسير أو الغريم يربط في المسجد". ومن هذا قال المهلب: إن في الحديث جواز ربط من خشي هروبه بحق عليه، أو دين والتوثق منه في المسجد، أو غيره. والمراد بالربط في الصلاة: أن يربطه بوجه كان شغلاً يسيراً فلا تفسد به الصلاة. وقال السندي: لا يلزم منه أن أخذه وربطه غير مفسد، لجواز أن يكون مفسداً، ويحمل له ذلك لضرورة أو بلا ضرورة، نعم يلزم أن تكون إرادته غير مفسدة، فليفهم-انتهى. (حتى تنظروا) وفي رواية حتى تصبحوا فتنظروا. (إليه) أي إلى الشيطان في حالة المذلة نظرة عبرة. (كلكم) أي صغاركم وكباركم. وهو بالرفع توكيد للضمير المرفوع. فيه دليل على جواز رؤية الجن. قال الخطابي: في الحديث دليل على أن رؤية الجن للبشر غير مستحيلة، والجن أجسام لطيفة، والجسم وإن لطف فدركه غير ممتنع أصلاً. وأما قوله تعالى:{إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم}[٧: ٢٧] ، فإن ذلك حكم الأعم الأغلب من أحوال بني آدم، امتحنهم الله بذلك وابتلاهم ليفزعوا إليه ويستعيذوا به من شرهم ويطلبون الأمان من غائلتهم. ولا ينكر أن يكون حكم الخاص والنادر من المصطفين من عباده بخلاف ذلك. وقال الكرماني: لا حاجة إلى هذا التأويل، إذ ليس في الآية ما ينفي رؤيتنا إياهم مطلقاً، إذا المستفاد منها أن رؤيته إيانا مقيدة من هذه الحيثية، فلا نراهم في زمان رؤيتهم لنا قط، ويجوز رؤيتنا لهم في غير ذلك الوقت-انتهى. وفهم أكثر العلماء منها العموم، حتى قال الشافعي: من زعم أنه يرى الجن أي