للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فذكرت دعوة أخي سليمان: {رب هب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي} ، فرددته خاسئاً)) .

ــ

على صورهم التي خلقوا عليها أبطلنا شهادته، واستدل بهذه الآية. وفيه دليل على أن الجن ليسوا باقين على عنصرهم الناري وإلا لأحرق إذا مس شيء من أعضاء ابن آدم، كما تحرق الآدمي النار الحقيقية بمجرد اللمس، فدل على أن تلك النارية انغمرت في سائر العناصر حتى صار إلى البرد، ويؤيد ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - عند النسائي من حديث عائشة: حتى وجدت برد لسانه على يدي. وفي رواية: برد لعابه. وقال ابن بطال: رؤيته - صلى الله عليه وسلم - للعفريت هو مما خص به، كما خص برؤية الملائكة، وقد أخبر أن جبريل له ستمائة جناح، ورأى النبي - صلى الله عليه وسلم - الشيطان في هذه الليلة وأقدره الله عليه، ولكن ألقى في روعه ما وهب سليمان فلم ينفذ ما قوي عليه من حبسه، رغبة عما أراد سليمان الانفراد به، وحرصاً على إجابة الله تعالى دعوته، وأما غير النبي - صلى الله عليه وسلم - من الناس فلا يمكن منه، ولا يرى أحد الشيطان على صورته غيره - صلى الله عليه وسلم -، لقوله تعالى: {إنه يراكم} الآية [٧: ٢٧] ، لكنه يراه سائر الناس إذا تشكل في غير شكله، كما تشكل الذي طعنه الأنصاري حين وجده في بيته على صورة حية فقتله، فمات الرجل به، رواه مالك في الموطأ. وفيما ادعى ابن بطال من الفرق بينه - صلى الله عليه وسلم - وبين الناس في رؤية الشيطان على صورته الأصلية، عندي نظر، فإن هذه دعوى مجردة، فإن لم يصح لها مستند فهي مردودة. (فذكرت دعوة أخي) في النبوة. (سليمان) أي التي استجابها الله تعالى له. وهي قوله الآتي طلباً؛ لأن يميز بخصوصه لا يشاركه فيها غيره، كما وقع لغيره من الأنبياء، أو غيره على ملكه ونفوذ حكمه في الجن والإنس والهواء أن يناله غير نبي. (رب هب لي ملكاً) وقع في رواية البخاري: في باب الأسير أو الغريم يربط في المسجد: رب اغفرلي وهب لي ملكاً، أي كما في التلاوة. قال الحافظ في الفتح: كذا في رواية أبي ذر، وفي بقية الروايات هنا: رب هب لي. قال الكرماني: لعله ذكره على طريق الاقتباس من القرآن لا على قصد التلاوة. قال الحافظ: ووقع عند مسلم، كما في رواية أبي ذر على نسق التلاوة، فالظاهر أنه تغير من بعض الرواة. (لا ينبغي لأحد من بعدي) من البشر مثله. (فرددته) أي دفعت العفريت حال كونه. (خاسئاً) أي مبعداً مطروداً صاغراً ذليلاً، كأنه - صلى الله عليه وسلم - نظر إلى أن من أعظم ذلك الملك وأخصه التصرف في الشياطين والتمكين منهم، فيتوهم بربط الشياطين عدم خصوص ذلك الملك بسليمان، وعدم استجابة دعائه، لما فيه من المشاركة معه في جملة ما هو من أخص أمور ذلك الملك، فترك الربط خشية ذلك التوهم الباطل، ولم يرد أن ربط الشياطين يوجب المشاركة معه في تمام ملكه، ويفضي إلى عدم خصوص ذلك الملك بسليمان، فإن التمكن من شيطان واحد، بل من ألف شيطان، لا يقدح في الخصوص قطعاً، فإن الخصوص كان بالنسبة إلى تمام الملك، كما لا يخفى. وقال الشيخ عبد الحق الدهلوي في اللمعات: من جملة ملك سليمان تسخير الريح والجن والشياطين، وهو مخصوص بسليمان عليه السلام، فيلزم عدم إجابة دعائه لو ربط

<<  <  ج: ص:  >  >>