للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

صلاته إشارة تفهم عنه فليعد لها، يعني الصلاة، أخرجه أبوداود. والجواب عنه: إن هذا الحديث ضعيف، لا يصلح للاحتجاج، فإن في سنده محمد بن إسحاق وهو مدلس، ورواه عن يعقوب بن عتبة بالعنعنة. وقال أبوداود بعد روايته هذا الحديث: وهم. وقال الزيلعي في نصب الراية: قال إسحاق بن إبراهيم بن هانيء: سئل أحمد عن حديث: من أشار إشارة يفهم عنه فليعد الصلاة، فقال: لا يثبت، إسناده ليس بشيء-انتهى. وعلى فرض صلوحه للاحتجاج يجب أن تحمل الإشارة المذكورة فيه على الإشارة لغير رد السلام والحاجة، جمعاً بينه وبين الأحاديث الصحيحة التي فيها ذكر الإشارة لرد السلام، أو حاجة تعرض. واستدلوا أيضاً بأن الرد بالإشارة منسوخ؛ لأنه كلام معنى وقد نسخ الكلام في الصلاة. والجواب عنه: أنا لا نسلم أن رد السلام بالإشارة كلام معنى. قال الطحاوي في شرح الآثار (ص٢٦٢) بعد ذكر حديث أبي هريرة الذي مر آنفاً: ذهب قوم إلى أن الإشارة التي تفهم إذا كانت من الرجل في الصلاة قطعت عليه صلاته، وحكموا لها بحكم الكلام، واحتجوا في ذلك بهذا الحديث، وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: لا تقطع الإشارة في الصلاة، ثم ذكر ما احتج به هؤلاء من حديث ابن عمر وصهيب وأبي سعيد، ثم قال: ففي هذه الآثار ما قد دل أن الإشارة لا تقطع الصلاة، وقد جاءت مجيئاً متواتراً غير مجيء الحديث الذي خالفها، فهي أولى منه، وليست الإشارة في النظر من الكلام في شيء؛ لأن الإشارة إنما هي حركة عضو، وقد رأينا حركة سائر الأعضاء غير اليد في الصلاة لا تقطع الصلاة، فكذلك حركة اليد-انتهى كلام الطحاوي ملخصاً. ولو سلمنا أن رد السلام بالإشارة كلام معنى فلا نسلم كون الكلام في الصلاة منسوخاً مطلقاً، سواء كان حقيقة أو معنى، بل نقول إنما المنسوخ في الصلاة هو الكلام حقيقة دون الكلام معنى، ألا ترى أن الإشارات المفهمة قد ثبتت عنه - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة بعد نسخ الكلام فيها. وأجاب الحنفية عن أحاديث الجمهور أي أحاديث رد السلام بالإشارة: بأن تلك الإشارة لم تكن رداً للسلام، وإنما كانت نهياً عن السلام والكلام. قاله الطحاوي وغيره. وهذا مردود يرده حديث ابن عمر المذكور في الكتاب، وحديث صهيب عند الترمذي وغيره بلفظ: مررت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي فسلمت عليه، فرد علي إشارة، وحديث ابن عمر عند النسائي وابن ماجه والحاكم بلفظ: دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - مسجد قباء ليصلي فيه، فدخل عليه رجال يسلمون عليه، فسألت صهيباً وكان معه كيف كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصنع إذا سلم عليه، قال: كان يشير بيده، وحديث أبي سعيد عند الطحاوي والبزار بلفظ: أن رجلاً سلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - فرد عليه إشارة الخ، وحديث عمار عند النسائي بلفظ: أنه سلم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي فرد عليه. فإن هذه الأحاديث الصحيحة نصوص صريحة في أن إشارته - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة عند السلام عليه كانت رداً للسلام على من سلم عليه، لا نهياً عنه. قال ابن العربي في شرح الترمذي (ج٢: ص١٦٢) : قد تكون الإشارة في الصلاة لرد السلام، وقد تكون لأمر ينزل بالصلاة، وقد تكون في

<<  <  ج: ص:  >  >>