الحاجة تعرض للمصلي، فإن كانت لرد السلام ففيها الآثار الصحيحة، كفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - في قباء وغيره، وقد كنت في مجلس الطرطوشي، وتذاكرنا المسألة، وقلنا الحديث، واحتججنا به، وعامي في آخر الحلقة، فقام وقال: ولعله كان يرد عليهم نهياً لئلا يشغلوه، فعجبنا من فقهه، ثم رأيت بعد ذلك أن فهم الراوي؛ لأنه كان رد السلام قطعي في الباب على حسب ما بيناه في أصول الفقه-انتهى. وقال الشيخ عبد الحي اللكنوي في التعليق الممجد (ص١٢٢) : وحملوا أي الحنفية الأحاديث على أن إشارته - صلى الله عليه وسلم - كان للنهي عن السلام لا لرده، وهو حمل يحتاج إلى دليل مع مخالفته لظاهر بعض الأخبار-انتهى. وأجابوا أيضاً بأن هذه الأحاديث منسوخة. قال النيموي: حديث ابن عمر أي المذكور في الكتاب قد يدل على أن رد السلام بالإشارة كان في الابتداء، ولذلك ما رآه ابن عمر وسأل عنه بلالاُ وصهيباُ. وقد رد شيخنا هذا الجواب في أبكار المنن (ص٢٦٠) ، فقال: جواب النيموي هذا مردود عليه بوجهين: الأول: أن ابن عمر كان يجوز رد السلام بالإشارة في الصلاة، ثم ذكر الشيخ أثر ابن عمر الآتي في آخر الفصل الثالث عن موطأ محمد، قال: والثاني: أنه لو كان رد السلام بالإشارة في الصلاة في الابتداء قبل نسخ الكلام لرد السلام بالكلام، لا بالإشارة. قال الزيلعي في نصب الراية بعد ذكر هذه الأحاديث: قد يجاب عنها بأنه كان قبل نسخ الكلام في الصلاة، ويؤيده حديث ابن مسعود: كنا نسلم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في الصلاة، فيرد علينا، فلما رجعنا من عند النجاشي سلمنا عليه فلم يرد علينا، ولم يقل "فأشار إلينا"، وكذا حديث جابر: إنه لم يمنعني أن أرد عليك إلا إني كنت أصلي، فلو كان الرد بالإشارة جائزاً لفعله. وأجيب عن هذا بأن أحاديث الإشارة لو لم تكن بعد نسخه لرد باللفظ، إذ الرد باللفظ واجب إلا لمانع كالصلاة، فلما رد بالإشارة علم أنه ممنوع من الكلام، وأما حديث ابن مسعود وجابر فالمراد بنفي الرد فيه: الرد بالكلام بدليل لفظ ابن حبان في حديث ابن مسعود: وقد أحدث أن لا تكلموا في الصلاة- انتهى كلام الزيلعي. وقال الحافظ في الدراية (ص١٠٨) : وأجاب بعضهم باحتمال أن يكون ذلك قبل نسخ الكلام في الصلاة، ورد بأنه لو كان كذلك لرد باللفظ لوجوب الرد، فلما عدل عن الكلام دل على أنه كان بعد نسخ الكلام-انتهى. (رواه الترمذي) وقال حديث حسن صحيح. وقال الشوكاني: رجاله رجال الصحيح. والحديث أخرجه أيضاً أحمد وابن حبان والبيهقي وأبوداود، وسكت عنه هو والمنذري.
٩٩٨- وفي. (رواية النسائي نحوه) أي نحو حديث الترمذي. (وعوض بلال صهيب) مبتدأ وخبر، وفي بعض النسخ بنصب "عوض" على الظرفية، ولا مانع من أن ابن عمر سأل كلاً منهما وأجابه بذلك. وقد ذكر