النفخ بمنزلة الكلام يقطع الصلاة. وعن أبي حنيفة ومحمد: إن كان يسمع فهو بمنزلة الكلام يبطل الصلاة، وإلا فلا، واستدل لهما بحديث أم سلمة وفيه أنه حديث ضعيف الإسناد. قال الحافظ في الفتح: ولو صح لم يكن فيه حجة على إبطال الصلاة بالنفخ؛ لأنه لم يأمره بإعادة الصلاة، وإنما استفاد من قوله:"ترب وجهك" استحباب السجود على الأرض، فهو نحو النهي عن مسح الحصى. قال: وفي الباب- أي في كراهة النفخ في الصلاة- عن أبي هريرة في الأوسط للطبراني، وعن زيد بن ثابت عند البيهقي، وعن أنس وبريدة عند البزار، وأسانيد الجميع ضعيفة جداً-انتهى. وقد ذكر الشوكاني في النيل: هذه الأحاديث مع بيان ما فيها من الضعف. واستدل لهما أيضاً بأحاديث النهي عن الكلام في الصلاة بأن النفخ كلام يدل على ذلك ما رواه سعيد بن منصور في سننه عن ابن عباس قال: النفخ في الصلاة كلام وروى البيهقي بإسناد صحيح إلى ابن عباس أنه كان يخشى أن يكون النفخ كلاماً. وأجيب بمنع كون النفخ كلاماً؛ لأن الكلام يتركب من الحروف المعتمدة على المخارج ولا اعتماد في النفخ، وأيضاً الكلام المنهي عنه في الصلاة هو المكالمة، ولو سلم صدق اسم الكلام على النفخ كما قال ابن عباس لكان فعله - صلى الله عليه وسلم - لذلك في الصلاة مخصصاً لعموم النهي عن الكلام، كذا في النيل. والمصحح عند الشافعية والحنابلة أنه إن ظهر من النفخ حرفان بطلت الصلاة وإلا فلا. والراجح المعتمد عندنا هو عدم بطلان الصلاة بالنفخ مطلقاً، أي سواء ظهر منه حرفان أم لا، مسموعاً كان أو غير مسموع، لما رواه أحمد والترمذي وأبوداود والنسائي عن عبد الله بن عمرو "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نفخ في صلاة الكسوف"، وقد ذكره البخاري تعليقاً. وأخرج أحمد هذا المعنى من حديث المغيرة بن شعبة. ولفظ أبي داود: ثم نفخ في آخر سجوده فقال: أف أف. وفيه رد صريح على ما ذهب إليه الشافعية والحنابلة والحنفية؛ لأنه كان مسموعاً، وقد صرح فيه بظهور الحرفين وفي الحديث أيضاً: أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: وعرضت على النار، فجعلت أنفخ خشية أن يغشاكم حرها، والنفخ لهذا الغرض لا يقع إلا بالقصد إليه، فانتفى قول من حمله على الغلبة. وأجاب الخطابي بأن "أف" لا تكون كلاماً حتى يشدد الفاء، قال: والنافخ في نفخه لا يخرج الفاء صادقة من خرجها. وتعقبه ابن الصلاح بأنه لا يستقيم على قول الشافعية أن الحرفين كلام مبطل، أفهما أولم يفهما، وأشار البيهقي إلى أن ذلك من خصائص النبي - صلى الله عليه وسلم -، ورد بأن الخصائص لا تثبت إلا بدليل، كذا في الفتح. قال ابن بطال: والقول الأول أي عدم قطع النفخ للصلاة أولى، وليس في النفخ من النطق بالهمزة والفاء أكثر مما في البصاق من النطق بالتاء والفاء، قال: وقد اتفقوا على جواز البصاق في الصلاة، فدل على جواز النفخ فيها، إذ لا فرق بينهما، ولذلك ذكره البخاري معه في الترجمة –انتهى. وقد روي الرخصة في النفخ في الصلاة عن قدامة بن عبد الله الصحابي، أخرجه البيهقي. (رواه الترمذي) وأخرجه أيضاً أحمد (ج٦: ص٣٢٣) والبيهقي (ج٢: ص٢٥٢) كلهم من طريق ميمون أبي حمزة الأعور