قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا فسا أحدكم في الصلاة فلينصرف فليتوضأ، وليعد الصلاة،
ــ
النسب، فنسبه الخطأ إلى عيسى تحكم محض عندي. وأي بعد في خفاء مثل هذا على الإمام أحمد وابنه فقد خفي ما هو دون ذلك على من هو أكبر وأعظم في هذا الشأن منهما، والله اعلم. (إذا فسا أحدكم) أي خرج من دبره ريح بلا صوت، سواء تعمد خروجه أو لم يتعمده، فعل ماض من فسا يفسوا فسوا وفساء. قال في المصباح: الفساء بالضم والهمزة والمد ريح يخرج بغير صوت يسمع. قال الطيبي: أي أحدث بخروج ريح من مسلكه المعتاد. (فلينصرف) أي عن صلاته. (فليتوضأ وليعد الصلاة) فيه دليل على أن الحدث ناقض للوضوء، وأنه تبطل به الصلاة ويجب عليه إعادتها، ولا يجوز البناء عليها، سواء كان الحدث عمداً أو سبقه من غير قصد لإطلاق الحديث، وبناء على أن الأمر بإعادة الصلاة للوجوب كما أن الأمر بالوضوء للوجوب اتفاقاً، وبه أخذ الشافعي في الجديد، فقال: إذا سبقه الحدث وهو في الصلاة من غير اختياره بطلت صلاته، كما تبطل في صورة خروج الحدث باختياره وقصده. وهذا هو الراجح عندي. وفرق الشافعي في القديم، وأحمد في رواية، ومالك وأبوحنيفة بين العمد والسبق من غير اختيار، فقالوا: يعيد الصلاة في الأول، ويبني في الثاني بالشروط المذكورة في الفروع، ولو استأنف فيه أيضاً لكان أفضل للبعد عن شبهة الخلاف، فعندهم الأمر بالإعادة في الحديث إذا كان الحدث عمداً، محمول على الوجوب، وأما إذا سبقه الحدث ولم يتعمده فمحمول على الاستحباب واختيار الأفضل. واستدل لهم على ذلك بما رواه ابن ماجه والدارقطني عن عائشة مرفوعاً: من أصابه قيء أو قلس أو مذي، فلينصرف فليتوضأ ثم ليبين على صلاته وهو لا يتكلم في ذلك. فجمع هؤلاء بين الحديثين بحمل حديث علي بن طلق على تعمد الحدث في الصلاة، وحديث عائشة هذا على سبق الحدث من غير تعمد، وفيه أن حديث عائشة ضعيف لا يقاوم حديث الباب، فقد أعله غير واحد من الأئمة بأنه من رواية إسماعيل بن عياش عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن عائشة، وابن جريج حجازي، ورواية إسماعيل بن عياش عن الحجازيين ضعيفة. وقد خالفه الحفاظ من أصحاب ابن جريج، فرووه عن ابن جريج عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلاً. وصحح هذه الطريقة المرسلة الذهلي والدارقطني في العلل وأبوحاتم، وقال رواية إسماعيل خطأ. وقال ابن معين حديث ضعيف. وقال أحمد الصواب عن ابن جريج عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أي مرسلاً. والمرسل على القول الأصح ليس بحجة، فيترجح عليه حديث علي بن طلق، وأيضاً قد صححه ابن حبان وحسنه الترمذي، ولم يضعفه أحد غير ابن القطان، كما سيأتي، وأما حديث عائشة فلم يصححه أحد غير الزيلعي الحنفي بل ضعفه جمهور الأئمة الشافعي وأحمد وأبوحاتم وأبوزرعة والدارقطني وابن عدي والحازمي والبيهقي وابن معين والذهلي، كما في نصب الراية والتلخيص والدراية. وأما ما أجاب به الزيلعي في تخريجه، وابن التركماني في الجواهر النقي عن تضعيف هؤلاء الأئمة، فلا يخفى سخافته على من له أدنى بصيرة ودراية، فلا حاجة إلى ذكره ثم الرد عليه. وقد أشبع ابن حزم في المحلى (ج٤: ص١٥٣- ١٥٦) الكلام في الرد على من قال بجواز