إنما يتعلق بترك السجود إباء وإنكاراً واستكباراً واستنكافاً، كما يدل عليه قوله تعالى. {وإذا قيل لهم أسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفوراً}[٢٥: ٦٠] . وكما قال إبليس: أمرت بالسجود فأبيت، فمعنى قوله:{وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون}[٨٤: ٢١] أي إباء واستكباراً ونفوراً عن الطاعة. قال ابن قدامة في المغني: فأما الآية فإنه ذمهم لترك السجود غير معتقدين فضله ومشروعيته - انتهى. فمن ترك سجدة التلاوة معتقداً مشروعيته وفضله لكونه ليس بلازم عنده لا استكباراً واستنكافاً عنه لا يقال إنه لم يخالف الكفرة، فلا يتعلق به الذم الذي تعلق بهم. وقال صاحب فيض الباري: وللشافعية أن يقولوا إن الوعيد معقول على ترك المستحب إذا قارن تركه ترك الواجبات أيضاً. ألا ترى أنه ينكر على المعصية من طالح ما لا ينكر على تلك المعصية إذا كانت من صالح، فتلك المعصية وإن تذكر في السياق لكن تراعي عند الوعيد أفعاله الأخر أيضاً وحينئذٍ يمكن أن يكون الوعيد على تركهم سجود التلاوة في الذكر فقط. ويكون محطه تركهم السجود الصلوية أيضاً، والحاصل أن الوعيد وإن كان على ترك سجود التلاوة لكنه نظراً إلى تركهم السجود الصلوية أيضاً انتهى كلامه بلفظه. وقد تبين بفعله - صلى الله عليه وسلم - وحديث أبي سعيد وحديث عمر المذكورين، وقول ابن عباس:"ص" ليس من عزائم السجود، أن سجود التلاوة غير واجب، وفيه دلالة واضحة على أن اقتداء الأنبياء في ذلك ليس على سبيل الوجوب واللزوم. ومن الأدلة على أن سجود التلاوة ليس بواجب ما أشار إليه الطحاوي من أن الآيات التي في سجود التلاوة: منها ما هو بصيغة الخبر. ومنها ما هو بصيغة الأمر. وقد وقع الخلاف في التي بصيغة الأمر هل هي فيها سجود أو لا. وهي ثانية الحج، وخاتمة النجم، واقرأ. فلو كان سجود التلاوة واجباً لكان ما ورد بصيغة الأمر أولى أن يتفق على السجود فيه ما ورد بصيغة الخبر- انتهى. واختلفوا في مواضع السجود، وفي أنه هل يشترط فيه ما يشترط في الصلاة من الطهارة وستر العورة واستقبال القبلة وغيرها. أما الأول، فسيأتي الكلام فيه في شرح حديث عمرو بن العاص في الفصل الثاني: وأما الثاني فذهب الجمهور إلى أنه يشترط فيه ما يشترط في الصلاة. وقال جماعة: لا يشترط، منهم ابن عمر والشعبي وأبوعبد الرحمن السلمي. قال البخاري في صحيحه: كان ابن عمر يسجد على غير وضوء. وفي مسند ابن أبي شيبة كان ابن عمر ينزل عن راحلته فيهريق الماء: ثم يركب، فيقرأ السجدة فيسجد وما يتوضأ، ووافقه الشعبي على ذلك، وأخرج عن أبي عبد الرحمن السلمي أنه كان يقرأ السجدة ثم يسجد وهو على غير وضوء إلى غير القبلة، وهو يمشي يومئ إيماء. وروى البيهقي (ج٢ ص٣٢٥) عن ابن عمر أنه لا يسجد الرجل إلا وهو طاهر، وجمع بين قوله وفعله بأنه أراد بقوله طاهر الطهارة الكبرى، أو الثاني على حالة الاختيار، والأول على الضرورة، أو الثاني على الأولوية، والأول على الجواز والإباحة. وروى عثمان بن عفان في الحائض تسمع السجدة تومئ برأسها، وبه قال سعيد بن المسيب، قال: