للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فلا يجوز أن يكون عند بعضهم واجباً، ويسكت عن الإنكار على غيره في قوله: ومن لم يسجد فلا إثم عليه، وكانوا ينكرون في ترك المستحبات فضلاً عن الواجبات، ولم ينقل عن أحد من الصحابة خلاف قول عمر وفعله. وأجابوا عن قوله لم يفرض، على قاعدتهم في التفرقة بين الفرض والواجب بأن نفي الفرض لا يستلزم نفي الوجوب. وتعقب بأنه اصطلاح لهم حادث. وما كان الصحابة يفرقون بينهما. ويغني عن هذا قول عمر: ومن لم يسجد فلا إثم عليه. قال بعضهم يمكن أن يقال: إن النفي في قوله من لم يسجد فلا إثم عليه، راجع إلى القيد والمعنى أن السجدة ليست واجبة بعينها، فمن لم يسجد فلا إثم عليه؛ لأن الركوع أيضاً ينوب عنها، وحينئذٍ معنى قوله: إن الله لم يفرض السجود إلا أن نشاء، أي لم يفرض علينا السجود بخصوصه، بل يكفي عنه الركوع أيضاً إلا أن نشاء السجدة فنأتي بها. ولا يخفى ما فيه من التكلف والتعسف، على أنه لم ينقل أن عمر ومن معه ركعوا في هذه الواقعة لتلاوة آية السجدة نيابة عن السجدة. وفيه أيضاً أن سجدة التلاوة سجود مشروع، فلا ينوب عنه الركوع كسجود الصلاة. وأما قوله تعالى. {وخر راكعاً وأناب} [٢٤: ٣٨] فالمراد به السجود؛ لأنه قال: "خر" ولا يقال للراكع "خر"، وإنما روي عن داود عليه السلام السجود لا الركوع إلا أنه عبر عنه بالركوع، وقال بعضهم أراد عمر بقوله: فلا إثم عليه، أنه ليس على الفور، فلا إثم بتأخيره عن وقت السماع، فلا يدل ذلك على عدم الوجوب. وفيه أن هذا باطل مردود على قائله؛ لأنه لا دليل على هذا التأويل ويدل على بطلانه أيضاً قوله: لم يسجد عمر، ومنعهم أن يسجدوا، وما قيل: إنه يحتمل أنه لم يسجد في ذلك الوقت لعارض مثل انتقاض الوضوء، أو يكون ذلك منه إشارة إلى أنه ليس على الفور. ففيه أن هذا أيضاً يحتاج إلى دليل ولا يكفي فيه الاحتمال. والظاهر بل المتعين أن عمر لم يسجد أصلاً لبيان أن سجدة التلاوة ليست بواجبة؛ لأنه لم يكن هناك عذر أو مصلحة في تأخيرها عن وقت التلاوة. قال صاحب العرف الشذي: وأما قول أن تأخير السجدة؛ لأن الأداء لا يجب على الفور فبعيد؛ لأنه لا عذر ولا نكتة لترك السجدة الآن بخلاف ما مر من واقعة النبي - صلى الله عليه وسلم - انتهى. وأجابوا عن قوله إلا أن نشاء بأن المعنى إلا أن نشاء قراءتها فيجب. ولا يخفى بعده بل يرده تصريح عمر بقوله: ومن لم يسجد فلا إثم عليه، فإن انتفاء الإثم عمن يترك الفعل مختاراً يدل على عدم وجوبه. والحق أن الاستدلال بحديث عمر على عدم وجوب السجدة، وعلى كون الأوامر للندب استدلال صحيح بين لا خفاء فيه. وليس عند الحنفية جواب شاف عنه. وقد أنصف صاحب فيض الباري. حيث قال قصة عمر هذه أقوى ما يمكن أن يحتج به على سنية السجود، فإنه تلا سورة النحل يوم الجمعة، فسجد لها مرة ثم لم يسجد لها في الجمعة التالية، ثم قال: إنما نمر بالسجود. فمن سجد فقد أصاب ومن لم يسجد فلا إثم عليه. وذلك بمحضر الصحابة ولم أر عنه جواباً شافياً بعد - انتهى. وأجيب عن الآية التي تدل على ذم الكفرة بتركهم السجدة بأن الذم فيها

<<  <  ج: ص:  >  >>