فأرسلت إليه الجارية، فقلت: قولي له: تقول أم سلمة: يا رسول الله! سمعتك تنهى عن هاتين الركعتين، وأراك تصليهما؟ قال: يا ابنة أبي أمية! سألت عن الركعتين بعد العصر، وإنه أتاني ناس من عبد القيس، فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر، فهما هاتان)) .
ــ
حينئذٍ بعد الدخول. وفي رواية مسلم: ثم رأيته يصليهما أما حين صلاهما فإنه صلى العصر، ثم دخل عندي فصلاهما. (فأرسلت إليه الجارية) قال الحافظ: لم أقف على اسمها. ويحتمل أن تكون بنتها زينب، لكن في رواية البخاري في المغازي: فأرسلت إليه الخادم. وفيه قبول خبر الواحد رجلاً أو امرأة مع القدرة على اليقين بالسماع من لفظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لاكتفاء أم سلمة بأخبار الجارية. (تقول أم سلمة) كنت عن نفسها، ولم تقل هند باسمها؛ لأنها معروفة بكنيتها. ولا بأس للإنسان أن يذكر نفسه بالكنية إذا لم يعرف إلا بها أو اشتهر بها بحيث لا يعرف غالباً إلا بها، وكنيت بابنها سلمة من أبي سلمة وكان صحابياً. (تنهى عن هاتين الركعتين) هكذا بذكر الركعتين في بعض النسخ. وكذا في المصابيح ومسلم وللبخاري في المغازي. ووقع في بعض نسخ المشكاة والبخاري في الصلاة عن هاتين فقط، أي بحذف الركعتين. (وأراك تصليهما) أي فما السر فيهما. فيه أنه ينبغي للتابع إذا رأى من المتبوع شيئاً يخالف المعروف من طريقته، والمعتاد من حاله أن يسأله بلطف عنه، فإن كان ناسياً رجع عنه، وإن كان عامداً، وله معنى مخصص عرفه التابع واستفاده، وإن كان مخصوصاً بحال يعلمها، ولم يتجاوزها. وفيه المبادرة إلى معرفة الحكم المشكل فراراً من الوسوسة؛ لأنه بالسوال يسلم من إرسال الظن السيء بتعارض الأفعال أو الأقوال وعدم الارتباط بطريق واحد. (قال) أي للجارية بأن تقول لها في جوابها أو مخاطباً لها. (يا ابنة أبي أمية) هو والد أم سلمة. واسمه سهيل أو حذيفة بن المغيرة المخزومي. ويلقب زاد الراكب؛ لأنه كان أحد الأجواد، فكان إذا سافر لا يترك أحداً يرافقه، ومعه زاد، بل يكفي رفقته من الزاد. (وإنه أتاني ناس من عبد القيس) بالإسلام من قومهم. (فشغلوني عن الركعتين) اللتين. (بعد الظهر) فيه أنه إذا تعارضت المصالح والمهمات بديء بأهمها. ولهذا بدأ النبي - صلى الله عليه وسلم - بحديث القوم في الإسلام، وترك سنة الظهر حتى فات وقتها؛ لأن الاشتغال بإرشادهم وهدايتهم إلى الإسلام أهم. (فهما هاتان) أي الركعتان اللتان صليتهما بعد العصر هما هاتان الركعتان اللتان كنت أصليهما بعد الظهر فشغلت عنهما، فصليتهما الآن، وقد كان من عادته عليه الصلاة والسلام أنه إذا فعل شيئاً من الطاعات لم يقطعه فيما بعد. فقد ثبت في مسلم عن أبي سلمة أنه سأل عائشة عنهما فقالت: كان يصليهما قبل العصر، فشغل عنهما أو نسيهما، فصلاهما بعد العصر، ثم أثبتهما، وكان إذا صلى صلاة أثبتها، أي داوم عليها. ومن طريق عروة عنها: ما ترك ركعتين بعد العصر عندي قط. وفيه دليل على