جواز قضاء سنة الظهر بعد صلاة العصر. فإن قيل: هذا من خصائصه - صلى الله عليه وسلم - يدل عليه ما أخرجه أبوداود والبيهقي من طريقه عن عائشة:"أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي بعد العصر، وينهى عنها، ويواصل، وينهى عن الوصال"، وما أخرجه أحمد (ج٦: ص٣١٥) والطحاوي وابن حبان عن أم سلمة أنها قالت: فقلت: يا رسول الله! أنقضيهما إذا فاتتا؟ فقال لا. قلنا: الأصل الإقتداء به - صلى الله عليه وسلم -، وعدم الاختصاص، حتى يقوم دليل صحيح صريح في الاختصاص به. وأما حديث عائشة ففي سنده محمد بن إسحاق، وهو مدلس، ورواه عن محمد بن عمرو بالعنعنة، على أن الظاهر أن عائشة كانت ترى مواظبة النبي - صلى الله عليه وسلم - عليهما من خصوصياته، لا أصل قضاء الصلاة في ذلك الوقت. وأما حديث أم سلمة ففي الاستدلال به على التخصيص به نظر أيضاً. قال البيهقي: الذي اختص به - صلى الله عليه وسلم - المداومة على ذلك، لا أصل القضاء وأما ما روي عن ذكوان عن أم سلمة في هذه القصة أنها قالت: فقلت: يا رسول الله! أنقضيهما إذا فاتتا؟ فقال لا. فهي رواية ضعيفة لا تقوم بها حجة - انتهى. وقال الحافظ في الفتح: أخرجها الطحاوي، واحتج بها أن ذلك كان من خصائصه - صلى الله عليه وسلم -، وفيه ما فيه - انتهى. قلت: قد أفاض الكلام في تنقيد رواية ذكوان عن أم سلمة هذه العلامة العظيم آبادي في أعلام أهل العصر (ص٥٤- ٥٦) وحقق كونها ضعيفة، وأطال الكلام في هذه المسألة فأجاد، فعليك أن تراجعه. وقال الحافظ: ليس في رواية الإثبات معارضة للأحاديث الواردة في النهي؛ لأن رواية الإثبات لها سبب، فألحق بها ما له سبب، وبقي ما عدا ذلك على عمومه، والنهي فيه محمول على ما لا سبب له. وأما من يرى عموم النهي، ولا يخصه بما له سبب فيحمل الفعل على الخصوصية. ولا يخفى رجحان الأول - انتهى. وقال الشوكاني: واعلم أن الأحاديث القاضية بكراهة الصلاة بعد صلاة العصر والفجر عامة، فما كان أخص منها مطلقاً كحديث يزيد بن الأسود (الآتي في باب من صلى صلاة مرتين) وحديث ابن عباس (عند الدارقطني في استثناء الطواف والصلاة عند البيت عن النهي) ، وحديث علي (عند أبي داود، بلفظ لا تصلوا بعد الصبح، ولا بعد العصر إلا أن تكون الشمس مرتفعة) . وقضاء سنة الظهر بعد العصر، وسنة الفجر بعده فلا شك أنها مخصصة لهذا العموم، وما كان بينه وبين أحاديث النهي عموم وخصوص من وجه كأحاديث تحية المسجد وأحاديث قضاء الفوائت والصلاة على الجنازة لقوله: - صلى الله عليه وسلم - يا علي! ثلاث لا تؤخرها: الصلاة إذا أتت، والجنازة إذا حضرت-الحديث. وقد تقدم. وصلاة الكسوف لقوله - صلى الله عليه وسلم -: فإذا رأيتموها فافزعوا إلى الصلاة والركعتين عقب التطهر وصلاة الاستخارة وغير ذلك، فلا شك أنها أعم من أحاديث الباب وأخص منها من وجه، وليس أحد العمومين أولى من الآخر يجعله خاصاً لما في ذلك من التحكم والوقف هو المتعين حتى يقع الترجيح بأمر خارج - انتهى. (متفق عليه) وأخرجه أيضاً أحمد وأبوداود والبيهقي.