ويؤيده ما رواه البخاري في تاريخه والبزار وغيرهما عن أنس قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين أقيمت الصلاة فرأى ناساً يصلون ركعتي الفجر فقال: صلاتان معاً؟ ونهى أن تصليا إذا أقيمت الصلاة، وهو من رواية شريك ابن عبد الله بن أبي نمر عنه، واختلف عليه في وصله وإرساله، والنهي المذكور للتحريم؛ لأنه أصل فيه. (إلا المكتوبة) أي تلك الصلاة المفروضة، فالألف واللام ليست لعموم المكتوبات وإنما هي راجعة إلى الصلاة التي أقيمت، وقد ورد التصريح بذلك في رواية لأحمد والطحاوي بلفظ: فلا صلاة إلا التي أقيمت، والمعنى: إذا شرع المؤذن في الإقامة للصلاة التي لم تؤدوها فلا تصلوا حينئذٍ إلا التي أقيمت لها، فالنهي متوجه إلى الاشتغال بصلاة غير تلك المكتوبة لمن عليه تلك المكتوبة، وأما الشروع خلف الإمام في النافلة لمن أدى المكتوبة قبل ذلك فلا يشمله النهي؛ لأن المأمور بهذا الحكم ليس إلا من عليه تلك المكتوبة، كما هو ظاهر السياق. والحديث فيه دليل على أن الاشتغال بالرواتب وغيرها وقت إقامة الصلاة أو بعد الإقامة والإمام في الصلاة التي أقيمت لها ممنوع، سواء كانت الراتبة سنة الصبح أو غيرها، وسواء كان في المسجد في زاوية منه أو إلى أسطوانة أو في الصف أو خلفه أو كان خارج المسجد في مكان عند بابه. قال الخطابي في المعالم (ج١: ص٢٧٤) : في هذا بيان أنه ممنوع من ركعتي الفجر ومن غيرها من الصلوات إلا المكتوبة. وقال النووي في شرح مسلم (ج١: ص٢٤٧) : فيه النهي الصريح عن افتتاح نافلة بعد إقامة الصلاة، سواء كانت راتبة كسنة الصبح والظهر والعصر، أو غيرها - انتهى. وقال الحافظ في الفتح (ج٣: ص٣٦٨) : فيه منع التنفل بعد الشروع في إقامة الصلاة، سواء كانت راتبة أم لا؛ لأن المراد بالمكتوبة: المفروضة. وزاد مسلم بن خالد عن عمرو بن دينار في هذا الحديث "قيل يا رسول الله، ولا ركعتي الفجر، قال ولا ركعتي الفجر" أخرجه ابن عدي في ترجمة يحي بن نصر ابن حاجب، وإسناده حسن - انتهى. قلت: وأخرجه أيضاً البيهقي (ج٢: ص٤٨٣) وأما ما يذكر من زيادة الاستثناء في آخر الحديث بلفظ: إلا ركعتي الفجر فلا أصل لها، كما صرح به البيهقي. وقال الشوكاني في النيل (ج٢: ص٣٣٠) : الحديث يدل على أنه لا يجوز الشروع في النافلة عند إقامة الصلاة. من غير فرق بين ركعتي الفجر وغيرهما - انتهى. قال النووي: والحكمة فيه أن يتفرغ للفريضة من أولها فيشرع فيها عقيب شروع الإمام، وإذا اشتغل بنافلة فاته الإحرام، وفاته بعض مكملات الفريضة، فالفريضة أولى بالمحافظة على إكمالها. واختلف العلماء فيمن لم يصل ركعتي الفجر، وقد أقيمت الصلاة: فذهب أهل الظاهر إلى أنه إذا سمع الإقامة لم يحل له الدخول في ركعتي الفجر ولا غيرهما من النوافل سواء كان في المسجد أو خارجه، فإن فعل فقد عصي. قال الشوكاني: وهو قول أهل الظاهر ونقله ابن حزم عن الشافعي وعن جمهور السلف. وحكى القرطبي في المفهم عن أبي هريرة