وأهل الظاهر أنها لا تنعقد صلاة تطوع في وقت إقامة الفريضة. قال الخطابي: روي عن عمر بن الخطاب أنه كان يضرب الرجل إذا رأه يصلي الركعتين والإمام في الصلاة. وقال المنذري في مختصر سنن أبي داود: قال أبوهريرة بظاهره، وروي عن عمر أنه كان يضرب على صلاة الركعتين بعد الإقامة، وذهب إليه بعض الظاهرية، ورأوا أنه يقطع صلاته إذا أقيمت عليه الصلاة، وكلهم يقولون: لا يبتدىء نافلة بعد الإقامة لنهيه - صلى الله عليه وسلم -. قال الشوكاني بعد ذكر ما ذهب إليه أهل الظاهر من عدم جواز الدخول في النافلة بعد سماع الإقامة سواء كان في المسجد أو خارجه هذا القول هو الظاهر. وقال شيخنا في شرح الترمذي: هو القول الراجح المعول عليه، وذهب الشافعي وأحمد إلى أن ذلك مكروه. قال الخطابي في المعالم (ج١: ص٢٤٧) : روي الكراهية في ذلك عن ابن عمر وأبي هريرة، وكره ذلك سعيد بن جبير وابن سيرين وعروة بن الزبير وإبراهيم النخعي وعطاء، وإليه ذهب الشافعي وأحمد - انتهى. وقال ابن رشد في البداية: وقال الشافعي إذا أقيمت الصلاة فلا يركعهما أصلاً لا داخل المسجد ولا خارجه. وقال ابن قدامة في المغني: إذا أقيمت الصلاة فلا يشغل بالنافلة، سواء خاف فوت الركعة أو لم يخف، وبه قال الشافعي - انتهى. قلت: الظاهر أن الشافعي وأحمد وافقا أهل الظاهر في عدم الجواز، هذا وقد ظهر من أقوالهم المذكورة أنهم متفقون على حمل الحديث على عمومه، وأنه غير مقصور على المسجد. فعلة النهي ومناط الكراهة ومثار المنع عندهم هو أداء السنة حال إقامة الصلاة، والاشتغال بالنافلة عن الفريضة، وقد تقدم ذلك في كلام النووي. وهذا هو الحق عندي، فإن هذه العلة قد جاءت منصوصة في بعض الروايات كحديث أنس عند البزار وغيره قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين أقيمت الصلاة، فرأى ناساً يصلون ركعتي الفجر، فقال صلاتان معاً؟ نهى أن تصليا إذا أقيمت الصلاة، وكحديث أبي موسى الأشعري عند الطبراني في الكبير: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلاً يصلي ركعتي الغداة حين أخذ المؤذن يقيم، فغمز النبي - صلى الله عليه وسلم - منكبه، وقال: ألا كان هذا قبل هذا، وكحديث ابن عباس عند أبي داود الطيالسي وغيره قال: كنت أصلي وأخذ المؤذن في الإقامة، فجذبني النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: أتصلي أربعا؟ ويدل عليه أيضاً تصديره بقوله: إذا أقيمت الصلاة، وقوله في رواية لأحمد: لا صلاة بعد الإقامة إلا المكتوبة، فهذه الروايات كلها نصوص صريحة في أن مناط النهي هو الاشتغال بالنافلة بعد الإقامة لا غير، وهي تدفع التأويلات الواهية الفاسدة الآتية التي تكلف لها الطحاوي وغيره من الحنفية، وذهب مالك إلى أنه إذا كان قد دخل المسجد ليصليهما فأقيمت الصلاة فليدخل مع الإمام في الصلاة ولا يركعهما في المسجد، وإن كان لم يدخل المسجد فإن لم يخف أن يفوته الإمام بركعة فليركعهما خارج المسجد، وإن خاف فوات الركعة الأولى فليدخل مع الإمام وقال أبوحنيفة: إن خشي فوت الركعتين معاً، وأنه